نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء التاسع والثلاثون (في ابتلاء الله تعالى عباده المحرمين بالحج والعمرة بظهور الصيد وسهولة صيده)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء التاسع والثلاثون (في ابتلاء الله تعالى عباده المحرمين بالحج والعمرة بظهور الصيد وسهولة صيده)
259 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء التاسع والثلاثون (في ابتلاء الله تعالى عباده المحرمين بالحج والعمرة بظهور الصيد وسهولة صيده)

النداء التاسع والثلاثون:

الابتلاء بالصيد في حال الإحرام

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (المائدة:94).

موضوع الآية:حكم الصيد في حال الإحرام.

معنى الكلمات:

"لَيَبْلُوَنَّكُمُ" : ليختبرنكم، والابتلاء الاختبار.

"تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ" : أي يكون في متناول اليد، كبيض الطير وفراخه.

"وَرِمَاحُكُمْ" : جمع رمح، وهو ما ينال به الحيوان على اختلافه.

"لِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ" : ليظهر الله بذلك الاختبار من يخافه بالغيب فلا يصيد.

"فَمَنِ اعْتَدَى" : بعد التحريم بأن صاد بعد ما بلغه التحريم.

"فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ" : مؤلم وموجع.

المناسبة:

بعد أن بَيَّن قول الله سبحانه "لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ" (المائدة:87)، ثم استثنى الخمر والميسر من ذلك، فصارا من المحرمات، لا من المحللات، ثم استثنى نوعًا آخر وهو هذا النوع من الصيد وهو صيد المحرم.

سبب النزول:

أخرج ابن أبي حاتم في سبب نزول هذه الآية عن مقاتل. أنها نزلت عمرة الحديبية، حيث ابتلاهم الله بالصيد وهم محرمون –كانت الوحوش تغشاهم في رحالهم، وكانوا متمكنين من صيدها، أخذا بأيديهم، وطعنًا برماحهم، ذلك قوله تعالى: "تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ" فهموا بأخذها، فنزلت هذه الآية.

المعنى الإجمالي:

في هذه الآية يبتلي الله عباده المؤمنين اختبارا لهم وامتحانا، ليعلم الذين يخافونه بالغيب، فيرفع درجاتهم، ويعلي مقاماتهم، وها هو ذا سبحانه ينادي عباده المؤمنين ليخبرهم بأنه سيبتليهم بشيء من الصيد، والصيدُ هو ما يُصَاد من صيد البر مثل حمار الوحش إلى الغزال وما دون ذلك كالطير والأرانب، قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" أي يا من آمنتم بالله ولقائه وبكتابه ورسوله "ليبلونكم الله" ليختبرنكم الله ربكم ووليكم بشيء من الصيد، أي مما يصاد كالظباء والأرانب وغيرهما.

وقد فعل ذلك بالمؤمنين أيام عمرة الحديبية، فكانت الوحوش والطيور تغشاهم في رحالهم بصورة لم ير مثلها قط، فنهاهم الله تبارك وتعالى عن صيده وقتله وهم محرمون بالعمرة قبل التحلل منها، ومعنى قوله تعالى: "تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ" أي لكثرته وكثرة ما تغشاهم في رحالهم فصغاره كبيضه وفراخه تناله أيديهم لو أرادوا أن يأخذوه، وكباره تناله رماحهم لو أرادوا صيده، ثم ذكر المحكمة من هذا الابتلاء العجيب، فقال سبحانه "لِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ" وفعلا قد خافوا ربهم، فما صادوا لا بأيديهم ولا برماحهم، فأصبحوا بذلك أهلًا للقيام بمهام الأمور وعظائمهما، لأنهم عما قريب سيصبحون هداة البشرية وقادتها وقضاتها فيحكمونها بالعقل والرشد، ويحكمون بالشرع، ويعاملون بالمعروف.

ولم يكونوا كبني إسرائيل ابتلاهم ربهم بتحريم الصيد –أي صيد السمك – يوم السبت فكان الصيد يأتيهم أي يظهر لهم شرعا ظاهرا بارزا إغراء لهم وفتنة يوم سبتهم، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، فاحتالوا على الصيد ووضعوا الشباك ليلة السبت أو يوم الجمعة فتمتلئ بالحيتان يوم السبت فيأخذونها ملأى يوم الأحد فيأكلونها فمسخهم الله عز وجل قردة وخنازير كما جاء ذلك في سورة الأعراف في قوله تعالى: "وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ...".لخ.

أما المؤمنون الصادقون من تلك الزمرة المباركة الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد امتحنوا ونجحوا وفازوا، وجاء أناس غلب عليهم الجهل فأحلوا محارم الله بالحيل كالربا بأنواع من الحيل.

وقوله تعالى: "فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ" أي من اعتدى بعد هذا النهي عن قتل الصيد حال الإحرام فله عذا أليم، أي موجع: وقد يكون في الدنيا، وقد يكون في الآخرة، أو فيهما معًا، بحسب حال المعتدي في اعتدائه، وليعلم أن الصيد في الحرم محرم على المحرم وغيره، والحرم حرمان: حرم مكة، وحرم المدينة: أما حرم مكة فقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة، فهي حرام إلى يوم القيامة لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا يصاد" وحرم المدينة حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصاد صيده ولا يختلي خلاه: كالحرم المكي، سواء بسواء.

وينبغي أن نعلم أن خمسا من الحيوانات أُذِنَ في قَتْلِهِنَّ في الحل والحرم، وللمحرم والمحل وهي التي جاءت في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحدأة" وما قيس عليها من كل ما يؤذي كالأسد والنمر والذئب والفهد إذ على هذا فقهاء الإسلام رحمهم الله تعالى.

ما يستفاد من الآيات:

1- ابتلاء الله لأصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم بالحديبية بكثيرة الصيد بين أيديهم، وحرم عليهم صيده، فامتثلوا أمر الله تعالى ولم يصيدوا، فكانوا خيرًا من بني إسرائيل وأفضل منهم على عهد أنبيائهم.

2- تحريم الصيد على المحرم وغيره في الحرم.

3- الدنيا كلها دار ابتلاء واختبار، وقد اختبر الله عباده المؤمنين، ليمتحن مدى صلابتهم للتمسك بأحكام دينهم وأصول شرعهم، اختبرهم بتحريم الصيد مع الإحرام وفي الحرم.