نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء السادس عشر (في حرمة طاعة الكفار وما يترتب عليها من هلاك وخسران)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء السادس عشر (في حرمة طاعة الكفار وما يترتب عليها من هلاك وخسران)
440 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء السادس عشر (في حرمة طاعة الكفار وما يترتب عليها من هلاك وخسران)

النداء السادس عشر:

حرمة طاعة الكفار

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ" (آل عمران:149-150).

موضوع الآية: في حرمة طاعة الكفار، والتحذير من ذلك، وبيان ما يترتب عليها من هلاك وخسران في الدنيا والآخرة.

المفردات:

"إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا" : المراد من طاعة الكافرين قبول قولهم والأخذ بإرشاداتهم، والمقصود بذلك مشركو العرب: أبو سفيان وأصحابه، وقيل اليهود والنصارى، وقيل: المنافقين كعبد الله بن أبي.

"يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ" : أي يرجعوكم إلى الكفر بعد الإيمان.

"خَاسِرِينَ" : الدينا بانقيادكم للأعداء، والآخرة بحرمانكم من نعيم الله وثوابه ووقوعكم في العذاب.

"بَلِ اللهُ مَوْلاَكُمْ" : ناصركم ومعينكم، فهو خير وأحق من يطاع سبحانه.

"وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ" : أي فأطيعوه دونهم.

سبب النزول:

قال علي رضي الله عنه: نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة في غزوة أحد: ارجعوا إلى إخوانكم، وادخلوا في دينهم.

مناسبة الآية لما قبلها:

في هذه الآية استمرار في تبيان عظات غزوة أحد والدروس المستفادة منها، فلما أمر الله تعالى بالاقتداء بمن تقدم من أنصار الأنبياء. حذر من طاعة الكافرين، وهم مشركو العرب واليهود والنصارى. والمنافقون الذين تآمروا على الدعوة الإسلامية بتثبيط عزائم المؤمنين.

المعنى الإجمالي:

هذا النداء الإلهي لعباده المؤمنين يحمل تحذيرا لهم وإنذارا من الوقوع في فتنة الكفر بعد الإيمان، والضلال بعد الهداية، بل والموت بعد الحياة، إذ الكافر ضال بكفره ميت، والعياذ بالله من الكفر بعد الإيمان، والموت بعد الحياة. إنه لما تمت تلك الهزيمة للمؤمنين في معركة أحد الخالدة، بسبب معصية بعضهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما من حقهم أن يعصوه، وما عصوه كفرا به ولا استخفافا بطاعته، ولكن زين لهم الشيطان وحسنتلهم نفوسهم ترك المراكز الدفاعية التي أنزلهم الرسول بها وحذرهم من تركها ومغادرتها مهما كانت الظروف والأحوال، إلا أنهم لما شاهدوا العدو فارا منهزما وإخوانهم في صفوف القتال يجمعون الغنائم هبطوا من جبل الرماة وجروا وراء العدو يجمعون الغنائم كإخوانهم، وما إن أخلوا مراكزهم الدفاعية حتى مال إليها العدو واحتلها وسلط عليهم وابل السهام والنبال فهزمهم، وفروا هاربين تاركين رسولهم، تسيل دماؤه، وهو يدعوهم: إلي عباد الله، إلي عباد الله.

 كما قال الله تعالى: "إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ" الأول: غم فوات النصر والغنيمة. والثاني: القتل وجراحات نبيهم صلى الله عليه وسلم، إذ جرح في وجهه وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم، وهنا في هذه الحالة المحزنة المخيفة قال من قال من المنافقين: ارجعوا إلى دينكم وإخوانكم، فلو كان محمد نبيا ما قتل عمه وكثير من أصحابه، وجرح هو وكسرت رباعيته... ومنهم من قال: استكينوا لأبي سفيان وأصحابه واستأمنوهم، أي اطلبوا أمنكم منهم، لأنهم الغالبون إلى غير هذا مما هو رغبة في العودة إلى الكفر بعد الإيمان، والعياذ بالله الرحمن.

وفي هذا نزلت هذه الآية الكريمة وما بعدها: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)بَلِ اللهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ" فدلت أولا: على أن الذين نادوا بالعودة إلى دين الآباء، والاستكانة إلى قائد المشركين، وطلب الأمن منه، هم كفار في الباطن مؤمنون في الظاهر، وهم المنافقون ورؤسائهمكابن أبي وإخوانه.

وثانيًا:أن طاعة الكافر والأخذ برأيه أو توجيهه وإرشاده تؤدي بمن أطاعه إلى الكفر حتما، ومن كفر بعد إيمانه فقد خسر خسرانا مبينا، وليس هذا خاصا بزمان دون زمان أو مكان دون مكان، بل طاعة الكفر تؤدي المطيع حتما إلى الكفر، إذ الكافر لا يأمر ولا يدعو ولا يهدي إلا إلى ما هو فيه وعليه من الضلال والكفر، والخبث، والشر، والفساد.

وثالثا: أن الطاعة الواجبة وهي المنجية من الخسران في الدنيا والآخرة هي طاعة الله، ورسوله، وأولي الأمر من المؤمنين، لا طاعة الكافرين والمنافقين؛ لأن من طلب النصر على العدو فليطلبه من الله مولاه القوي القدير العزيز، الحكيم، العليم، الخبير، لا من عدوه وعدو مولاه، وهو الكافر الضال الحائر الهالك المتهالك، فهل مثل هذا يطلب منه النصر؟ 

ولنعد تلاوة الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)بَلِ اللهُ مَوْلاَكُمْ" أي أطيعوه واطلبوا النصر منه، فإنه ينصركم وهو خير الناصرين، ألا فليعلم هذا عباد الله اليوم وليؤمنوا بالله وليتقوه فيصبحوا حقا عبيده، وهو مولاهم الحق الذي لا مولى لهم سواه، ويومئذ إن أصابهم خوف، أو حلت بهم هزيمة لمخالفتهم هدي ربهم ونبيه صلى الله عليه وسلم فليطلبوا النصر منه سبحانه وتعالى، فإنه ينصرهم ولا يذلهم ولا يخزيهم، وكيف لا، وهو مولاهم، وهم لا مولى لهم سواه.

ألا فليعلم هذا كل مؤمن ومؤمنة، وليطيعوا ربهم، ونبيهم وولي أمرهم منهم.. ولا يقبلوا طاعة غيرهم من أهل الكفر، والنفاق، والشرك، والجهل، من العرب أو العجم على حد سواء وليطلبوا نصر الله على من عاداهم أو حاربهم أو سالمهم فإن الله لا يخلف وعده في قوله: "إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ" ألا فلنقبل على الله في صدق ولنثق في وعده، فإن الله لا يخلف وعده.

ما يستفاد من الآية:

1- نداء الله لعباده المؤمنين؛ لأن الإيمان السبب الموجب لامتثال الأوامر واجتناب النواهي.

2- تحذير المؤمنين من طاعة الكفار وحرمة ذلك.

3- بيان السر في تحريم طاعة الكافرين، وهو أنه يترتب عليها الردة، والعياذ بالله.

4- وجوب طاعة الله سبحانة، وأنها السبب الأعظم للنصر على الأعداء.

5- أن الله سبحانه خير من يطاع، وأحق من يطاع.