نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الخامس عشر (في النهي عن أكل الربا والأمر بتقوى الله)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الخامس عشر (في النهي عن أكل الربا والأمر بتقوى الله)
487 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الخامس عشر (في النهي عن أكل الربا والأمر بتقوى الله)

النداء الخامس عشر:

في النهي عن الربا والأمر بتقوى الله

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (آل عمران: 130).

المفردات:

"الرِّبَا" : لغة الزيادة –زيادة في شيء مخصوص، وفي الشرع نوعان: ربا الفضل وربا النسيئة، ربا الفضل يكون في الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، فإذا بيع الجنس بمثله يحرم الفضل، أي الزيادة، ويحرم التأخير- بل يكون مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد.

وربا النسيئة هو أن يكون على المرء دين إلى أجل فيحل الأجل ولم يجد سدادا لدينه، فيقول له أخرني وزد في الدين.

"أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً" : أي بأن تزيدوا في المال عند حلول الأجل وتؤخروا الطلب، وذلك بيان للحال التي كان عليها الجاهلية وللتشنيع عليهم؛ لأن في هذه المعاملة ظلما صارخا وعدوانا مبينا، حيث كانوا يأخذون الربا أضعافا مضاعفة.

سبب النزول:

قال ابن الجوزي رحمه الله: قال أهل التفسير: هذه الآية نزلت في رِبَا الجاهلية، قال سعيد بن جيبر: كان الرجل يكون له على الرجل المال، فإذا حل الأَجَلُّ فيقول: أَخِّرْ عني، وأزيدك على مالك، فتلك الأضعاف المضاعفة.

أخرج الفريابي(1) ((التفسير المنير ج ص 82/83)) عن مجاهد قال: كانوا يبتاعون إلى الأجل فإذا حل الأجل زادوا عليهم وزادوا في الأجل، فنزلت "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً" .

وأخرج أيضا عن عطاء قال: كانت ثقيف تداين بني النضير، فإذا جاء الأجل قالوا: نزيدكم وتؤخرون عنا، فنزلت الآية.

مناسبة الآية لما قبلها:

بعد أن نهى الله سبحانه المؤمنين عن اتخاذ البطانة من اليهود والمشركين ونحوهم نهاهم أيضا عن شر عمل من أعمال اليهود، ومن اقتدى بهم من المشركين، وهو الربا لما فيه من المضار على الفرد والمجتمع.

المعنى الإجمالي:

اعلم أيها المؤمن زادك الله علما ووفقني وإياك للعمل بما نعلم، فإن العلم بلا عمل كشجر بلا ثمر ورضي الله عن علي بن أبي طالب، إذ قال: العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.

وإن قلت لي: ماذا أعلم؟ قلت لك: اعلم عظم ذنب آكل الربا واحذره، فإن الله تعالى ما توعد أهل الإيمان بعذاب النار كما توعد آكل الربا، إذ قال تعالى: "وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" 

وها هو ذا تعالى في هذا النداء الخامس عشر من نداءات الله تعالى لعباده المؤمنين ينهاهم عن أكل الربا ويأمرهم بالتقوى ويطمعهم في الفلاح الذي هو النجاة من النار ودخول الجنة، فيقول لهم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً" إذ كان الرجل يستقرض من آخر مالا إلى أجل معين فإذا حل الأجل ولم يجد سدادا يقول لمن أقرضه، أخر وزد، فيؤخر ويزيد فيه، فإذا حل الأجل ولم يجد سدادا فيقول له: أخر وزد أيضا، وهكذا حتى يصبح القرض الذي كان مائة درهم- مئات الدراهم. وهذا هو ربا النسيئة الذي يتضاعف.

 أما ربا الفضل فإنه تحصل فيه الزيادة فور البيع بأن يبيعه قنطار بر بقنطار ونصف برا. ويبيعه ألف درهم بألف وعشرة مثلا وهكذا في كل الربويات، وهي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح وما يلحق بها من كل مقتات مدخر، إذ هذه الربويات لا تباع إلا كيلا بكيل أو وزنا بوزن بلا زيادة إلا أن تختلف أجناسها كبيع فضة بذهب أو بر بشعير أو تمر بملح مثلا فلا بأس بالزيادة على شرط أن يتم البيع في مجلس واحد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ها وها..".

واعلم أيها المؤمن أن ربا البنوك اليوم أكثر ظلما وأعظم ذنبا من ربا الجاهلية الذي حرمه الله تعالى في هذه الآية وفي غيرها من آيات البقرة؛ لأن ربا البنوك من وضع اليهود، واليهود لا رحمة عندهم، ولا شفقة في نفوسهم على غير بني جلدتهم، فإن البنك إذا أقرض امرأ ألفا إلى أجل يكتبها عليه ألفا ومائة، وإذا تأخر سدادها رفع قيمتها حتى تكون أضعافا مضاعفة، أما ربا الجاهلية من العرب فإنه لا يزيد عليه شيئا إذا سلم الدين في وقته الذي حل فيه، وإنما يزيد عليه إذا حل الأجل ولم يسدد فقط.

لعلك أيها القارئ الكريم ترى أن الربا إذا كان غير مضاعف لا بأس به، لما قد يفهم من هذه الآية: "لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً" إياك أن يعلق بذهنك هذا المعنى، فإنه غير وارد أبدا. وإنما الآية ذكرت حال المرابين في عصر الجاهلية فعاتبتهم على ذلك.

 أما بعد أن حرم الله الربا فإنه حرمه تحريما مطلقا لا فرق بين كثيره وقليله، واسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرر هذه الحقيقة فيقول: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم".

 ألا فليجتنب المؤمن الربا وليبتعد عنه. وليذكر ما يساعده على ذلك من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات" فيسأل عنها فيقول: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".

علة تحريم الربا

إنها ما يلي:

1- المحافظة على مال المسلم حتى لا يؤكل بالباطل.

2- توجيه المسلم إلى استثمار ماله في أوجه المكاسب الشريفة الخالية من الاحتيال والخديعة، والغش، كالفلاحة، والصناعة، والتجارة.

3- سد الطرق المفضية بالمسلم إلى عداوة أخيه المسلم وبغضه وكرهه.

4- فتح أبواب البر في وجه المسلم ليتزود لآخرته، فيقرض أخاه المسلم بلا فائدة، وينتظر ميسرته بلا فائدة، وييسر عليه أمره ويرحمه ابتغاء مرضاة الله، وفي هذا ما يشيع المودة بين المسلمين ويقوي روح الإخاء والحب والتصافي بينهم.

فاذكر هذا أيها المؤمن وعلمه غيرك من إخوانك المؤمنين.

وأخيرا: هل عرفت لم جاء الأمر بتقوى الله تعالى بعد النهي عن أكل الربا في هذا النداء إذ قال تعالى: "وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" إنه من أجل إرهاب النفوس وإخافتها من عاقبة الإصرار على أكل الربا؛ لأن الله تعالى لرحمته بعباده لم يأذن لأحد منهم أن يأكل مال أخيه بغير حق، وتقوى الله تكون بامتثال أمره واجتناب نهيه، ومن امتثل أمر الله فاتقاه وأطاعه فلم يأكل الربا، فقد تهيأ للفلاح وهو كما عرفت الفوز بدخول الجنة بعد النجاة في النار.

ألا فلنطع الله فلا نأكل الربا، ونتقي الله فلا نعصيه في أمر، أو في نهي، لنظفر بأعظم ربح، ونغنم أفضل غنم ألا وهو الفلاح. جعلنا الله من أهله الفائزين به، الناجين من النار، الساكنين الجنة دار الأبرار.

وخلاصة القول: إن كل محاولة يراد بها إباحة ما حرم الله أو تبرير ارتكابه بأي نوع من أنواع التبرير بدافع المجاراة للأوضاع الحديثة أو الغربية والانخلاع عن الشخصية الإسلامية إنما هي جرأة على الله تعالى، وقول عليه بغير علم، وضعف في الدين وتزلزل في اليقين، ولا حول ولا قوة إلا الله العلي العظيم.

ما يستفاد من الآية:

1- إن الإيمان هو السبب الأعظم الموجب لامتثال الأوامر واجتناب النواهي.

3- تحريم الربا بأنواعه والوعيد الشديد عليه وشدة شناعته لما فيه من الظلم.

4 – بيان ربا الجاهلية إذ هو الذي نهى الله عنه بقوله: "لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً" .