نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء العاشر (في الأمر بالتقوى وترك ما بَقِيَ من الربا)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء العاشر (في الأمر بالتقوى وترك ما بَقِيَ من الربا)
468 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء العاشر (في الأمر بالتقوى وترك ما بَقِيَ من الربا)

النداء العاشر:

في الأمر بالتقوى وترك ما بقي من الربا وبيان خطره

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رءوس أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279) وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ" (البقرة:278-281).

معاني الكلمات:

"ذُو عُسْرَةٍ" : معسر بفقد المال أو كساد المتاع.

"فَنَظِرَةٌ" : أي تأخيره وانتظاره.

"مَيْسَرَةٍ" : وقت اليسر والرخاء.

"وَأَنْ تَصَدَّقُوا" : على المعسر بالإبراء.

"خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" : أي إن كنتم تعلمون أنه خير فافعلوه.

"اتَّقُوا اللهَ" : خافوا عقابه بطاعته، بأن تجعلوا طاعته ورقابته تقيكم الربوية.

"وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا" : اتركوا ما بقى عندكم من المعاملات الربوية.

"فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ" : اعلموا بحرب من الله ورسوله، واحملوا سلاحكم ولا ينفعكم سلاح، فإنكم المهزومون الهالكون.

"فَلَكُمْ رءوس أَمْوَالِكُمْ" : بعد التوبة، ليس لكم إلا رأس المال، الذي عند المدين لكم، فخذوه واتركوا زيادة الربا.

"عُسْرَةٍ" : الشدة والضائقة المالية.

"فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ" : أي انتظار المدين إلى أن ييسر الله عليه، فيعطيكم رأس مالكم الذي أخذه منكم.

"وَأَنْ تَصَدَّقُوا" : وأن تتصدقوا على المعسر بترك ما لكم عليه، فذلك خير لكم.

سبب النزول:

قيل: نزلت في بني عمرو بن عوف من ثقيف، وفي بني المغيرة من بني مخزوم، وكان بنو المغيرة يربون لثقيف، فلما أظهر الله رسوله على مكة وضع يومئذ الربا كله، فأتى بنو عمرو وبنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد، وهو على مكة، فقال بنو المغيرة: ما جعلنا أشقى الناس بالربا، ووضع عن الناس غيرنا. فقال بنو عمرو: صالحنا على أن لنا ربانا. فكتب عتاب في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية والتي بعدها، فبعث بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عتاب، فقال بنو عمرو وبنو عمير لا يد لنا أي لا طاقة لنا بحرب الله ورسوله. وتابوا وأخذوا رءوس أموالهم فقط.

المناسبة بين الآيات:

لما كانت الآيات السابقة تتحدث في النفقة أو الصدقة التي يبذلها المؤمنون من أموالهم بغير عوض بسخاء نفس، تقربا إلى الله، وطلبا لمرضاته، وتثبيتا لأنفسهم على الإيمان، وامتثالا لأمر الله ورسوله بالإحسان إلى الناس. جاءت هذه الآيات تتحدث عن المرابين وهم الذين اتصفت نفوسهم بالخبث والجشع والغل والحقد، وذلك بأخذهم المال بلا عوض يقابله، وقد بين الله في الآيات السابقة أن الصدقة تنمي المال وتباركه وتطهر النفس وتزكيها، وبين في هذه الآية أن الربا يمحق الله به المال، ويبطل البركة، ويزيل النماء، ويصيب الجسد بالجنون والوسوسة، جزاء وفاقا من الله، للمحسن بالإحسان إليه، وللمسيء برد السوء عليه.

بين يدي الآية:

أوجد الله عزّ وجلّ الإنسان في هذا الكون الفسيح، وشرع له شرعًا يلتزمه ويهتدي به في حركاته وسكناته، وأودع في هذا الإنسان رغائب وشهوات، وأوجد فيه طاقات وقدرات، لكن شريعة الله قَنّنَتْ له حركته، وهذّبتها، وتركت له حيِّزًا يتحرك فيه للتعبير عن رغباته ونزواته، فإذ أودع فيه حبّ المرأة، سمح له بالزواج وحرم عليه الزنا، وأودع فيه حبّ المال وأذن له بالكسب المشروع، وحرم عليه الكسب غير المشروع، وأعظم وأكبر شهوتين يتحرك بهما الإنسان هما: شهوة المال وشهوة الجنس.

ومجموع هذا المال الذي يكسبه الإنسان يساوي كتلة، وقد أراد الله أن تكون هذه الكتلة متداولة بين كل عباده، وهذا هو الوضع الصحي والطبيعي الذي أراده الله لعباده، قال تعالى: "كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ" (الحشر: 7) أي لا يكون متداولًا بين الأغنياء منكم فقط، فهناك بضائع لا يملك ثمنها إلا طبقة قليلة من الأغنياء والأقوياء، وهذه حالة مَرَضِيَّة خطيرة، فكلما قلّت المسافة بين الأغنياء والفقراء، وبين الأقوياء والضعفاء ارتقى المجتمع، وكلما طالت المسافة بين الأغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء تخلّف المجتمع

إن الوضع الاقتصادي العالمي خطير؛ لأن 10% من سكان الأرض يملكون 90% من ثروات الأرض هم من دول الشمال.

فثمة شعوب تموت من الجوع، وهذا مؤشر خطير، فالوضع الصحي، السليم والصحيح والطبيعي الذي يريده الله، هو أن تكون هذه الكتلة المالية موزعة بين كل الناس، وهذا المجتمع على هذا النحو يكون بخير

وقال العلماء: معنى الخير توافر المواد ورخص الأسعار.

إنّ التوزيع غير العادل للمال يورِّث انفجارًا، وسيؤدي بالمجتمع إلى الانهيار.

والربا أحد الأسباب التي تؤدي إلى تجمُّع الأموال بأيدٍ قليلة وتحرم منه الكثرة الكثيرة. فحينما يُسمح للمال أن يلد المال فإنه ينحصر بأيدٍ قليلة وتحرم منه الكثرة، أما حينما تكون الأعمال سببًا في زيادة المال، فعندئذ توزع الأرباح على شريحة أوسع، فلو أراد إنسان أن ينشئ مشروعًا فإنه يحتاج إلى محلّ، فإذا اشتراه انتفع منه صاحبه الذي باعه. ثم يحتاج إلى أثاث، فاستفاد منه من لهم مصلحة بذلك، ثم عين موظفين، واحتاج إلى سيارة لنقل البضائع، ومستودع، فهذا المشروع شئت أم أبيت تذهب نصف أرباحه للمصاريف.

وهكذا الحال في أي عمل تجاري أو صناعي أو زراعي، أو غيره من الأعمال.

في حين أن الإنسان الذي يملك عشرة ملايين ووضعها في البنك، وجلس في البيت ليجني فوائدها وأرباحها، فإنه لم يقدم للأمة شيئًا، وأخذ مالًا دون جهد، ونما المال وحده، دون أن يستفيد منه أحد.

أخطار الربا وأضراره على الفرد والمجتمع:

أباح الله لعباده سبل الرزق الكثيرة المختلفة: كالزراعة والصناعة وغير ذلك، مما يتلمس منه الإنسان طلب الرزق، وأفضل ذلك البيع والشراء، وهو ما كان بالمعاوضة بين الناس، قال تعالى: "وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ" (البقرة: 275) وحرم طرق الكسب الخبيث، وأعظمها الربا، فهو كسب خبيث محرم وسحت، لا خير فيه ولا بركة منه، بل يجلب الضرر والنقيصة ، ويمحق البركة في الدين والدنيا والحاضر والمستقبل والعمر على كل من شارك فيه، وأعان عليه، ورضيه بأي وجه من وجوه المشاركة والإعانة، وذلك لأنه من المعاملات الباطلة القائمة على الجور والاستغلال والمحاربة لله ولرسوله، حقيقته الظلم الشديد والتعاون على الإثم والعدوان، ولا شك أن أضراره كثيرة وعظيمة وعواقبه وخيمة وأليمة على كل من يتعاطاه من الفرد والجماعة، وعلى المجتمع الذي لا ينكره، وأضراره محققة معجلة ومؤجلة، ولذلك حرمه الله سبحانه بقوله: "وَحَرَّمَ الرِّبَا" (البقرة:275) وأضراره واقعة محسوسة في الأنفس والواقع، فمن ذلك:

1- إنه معصية لله ورسوله؛ لأن الذين يبيع بالربا مخالف لما جاء عن الله وعن رسوله، قال تعالى: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (النور:63).

2- إن المرابي يحرم قبول صدقته؛ لأنه كسب خبيث. إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا.

3- لا يقبل دعاؤه ولا يستجاب له، قال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة" والمرابي طعامه خبيث.

4- تنزع البركة من عمره وكسبه، قال تعالى "يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا" (ما أكثر أحد من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة..".

5- يصاب صاحب الربا بقسوة القلب وإعراضه عن الخير، قال صلى الله عليه وسلم : "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله"، والمرابي لا يرحم الناس.

6- يحرم الله المرابي من الطيبات، قال تعالى: "فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" (النساء:60-161) وأكلهم أموال الناس بالباطل.

7- المرابي يظلم الناس ويتعرض لسوء العاقبة: "اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة".

8- ينصرف أَكَلَةُ الرِّبا عن القرض لحسن وإنظار المعسر وتنفيس كرب المكروبين ابتغاء وجه الله، فيدخلون ضمن قوله تعالى: "أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ" (البقرة: 86).

9- الربا سبب لإفلاس كثير من الأفراد والمجتمعات.

10- الربا من الموبقات التي تغمس صاحبها في الإثم، ثم في النار، قال صلى الله عليه وسلم : "اجتنبوا السبع الموبقات ومنها الربا.

11- الربا موجب للعن من الله ورسوله. لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: "هم سواء" واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.

12- أكل الربا مجرب أنه من أسباب سوء الخاتمة، قال أبو حنيفة: أكثر ما ينزع الإيمان من العبد عند الموت الذنوب والربا؛ لأنه من ظلم العباد.

13- آكل الربا في شر حالة بعد موته حتى يبعث الله، فعن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء "فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم، وعلى شطر النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أردا أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كل ما جاء ليخرج رمى فيه بحجر، فيرجع حيث كان، ثم قيل للنبي صلى الله عليه وسلم الذي رأيته في النهر آكل الربا".

14- آكل الربا يصاب بالهوس في الدنيا غالبا، وأما في الآخرة فإنهم يخرجون من قبورهم ولا يقومون إلا كقيام المجانين، وكفى بذلك خزيا وفضيحة، قال تعالى: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ" (البقرة:275).

15- آكل الربا إذا مات وهومصر على ذلك ولم يتب قبل موته فإنه متوعد بالنار، كما قال تعالى: "وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة: 275) أي من عاد إلى أكل الربا بعد علمه بحرمته.

16- وأخير فإن آكل الربا مؤذن بحرب من الله ورسوله ومتعرض لسخطه وعقابه، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ" ، "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رءوس أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ" .

المعنى الإجمالي:

اعلم أيها القارئ لهذا النداء العزيز أن هذا النداء وُجِّهَ للمؤمنين ليأمرهم بأمرين عظيمين: الأول: تقوى الله عز وجل، وذلك بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ الله تعالى لا يتقى غضبه وعقابه إلا بالاستسلام والانقياد له وذلك بحب ما يحب، وكره ما يكره، وفعل ما يأمر به، وترك ما ينهى عنه. والثاني: ترك ما بقي من الربا بعد تحريمه بقوله: "وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" فمن بقي له شيء من فوائد الربا فليتركها لمن هي في ذمته.

ولخطورة هذا الموقف وصعوبته على النفس البشرية: ذكرهم بإيمانهم، إذ الإيمان الصحيح هو بمثابة الطاقة الدافعة فقال لهم: "إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ" فإن إيمانكم قدرة قوية تحملكم على تقوى الله وترك ما بقي من الربا عند المدينين لكم. وفي الآيتين بعد هذه حذرهم مهددا لهم بسوء عاقبة الاستمرار في هذه المعصية الكبيرة فقال: "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا" أي ما أمرتكم به من التقوى وترك ما بقي لكم من الربا "فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ" وهل من حارب الله ورسوله يفوز وينتصر لا، والله بل يخسر وينكسر، ثم أرشدهم إلى حل مشكلة تحدث لهم بعد توبتهم وهي أن رؤوس أموالهم مع أرباحهم تبقى عند المدينين لهم فكيف يصنعون بها.فأرشدهم إلى أخذ رؤوس أموالهم التي هي تحت يد المدينين وترك الأرباح التي كانت لهم بحكم التعامل الربوي المحرم. وأن من كان معسرا من المدينين لهم فلينظروه حتى ييسر الله عليه ويدفع لهم رأس مالهم، وإن هم تكرموا بترك ذلك المال صدقة منهم على المعسر فذاك خير إن كانوا يعلمون ثمرة الإحسان بعد الإساءة والتوبة بعد الذنب، فقال: "وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ"

هل عرفت أيها المؤمن عِظَمَ ذنب المرابي وآكل الربا، وأزيدك معرفة بقول الله تعالى: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ" – أي من قبورهم – يوم القيامة "إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ" أي يضربه الشيطان ضربا غير منتظم، والمس اللمس، ومن لمسه الشيطان يصرع فورا. فالمرابي يقوم يوم القيامة من قبره كالمجنون الذي كلما قام صرعه الجان.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه" ويقول: "اجتنبوا السبع الموبقات" ويذكر منها آكل الربا. فإذا عرفت أيها القارئ عظم ذنب آكل الربا. فاعرف ما هو الربا حتى تجتنبه وتدعو المؤمنين إلى اجتنابه، إنه نوعان:

الأول: ربا الفضل: وهو بيع ربوي بآخر مع فضل زيادة، والربويات هي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، ويقاس على البر الذرة وكل مقتات مدخر فإذا باع أحد ذهبا بذهب، أو فضة بفضة وجب أن يكون المقدار متساويا وأن يكون في مجلس واحد أي يدا بيد، وكذا إن باع قمحا بقمح. وإن اختلف الجنس كأن يباع ذهب بفضة، أو قمح بشعير مثلا فيجوز التفاضل ولكن بشرط أن يكون يدا بيد.

الثاني: ربا النسيئة: أي التأخير وهو أن يعطي المرء لآخر مالا يسدده بعد عام مثلا على أن يزيد فيه، فإذا أعطاه ألفا يردها بعد العام ألفا ومائة مثلا، وكلما تأخر السداد زاد في رأس المال، حتى يصبح أضعافا مضاعفة كما قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"

وأخيرا اعلم أيها القارئ أن سر علة تحريم الربا هي أنه يقطع التراحم بين المؤمنين، وكل ما يؤدي إلى القطيعة بين المؤمنين فهو حرام؛ لأن المؤمنين يجب أن يعيشوا إخوانا متعاونين متحابين، يقرض بعضهم بعضا القروض طويلة الأجل، ولا يرجوا من ذلك سوى الأجر والمثوبة من الله تعالى؛ لأن القرض في الأجر كالصدقة بل أعظم منها، كما أن المضاربة – وهي أن يعطي المؤمن أخاه مالا يتجر فيه والربح بينهما – فيها فائدتان: الأولى: نماء المال، والثانية: عون الفقير على الكسب والربح. ومثل المضاربة المشاركة في الزراعة والصناعة في تنمية المال، وإفاضته بين المؤمنين لذا حرم الله تعالى الربا وأحل البيع.

ما يستفاد من الآيات:

1- تذكير الله عباده وخطابه لهم بالإيمان، فالمؤمن هو الذي يستجيب لنداء الله سبحانه.

2- التذكير بتقوى الله سبحانه بفعل الأموار واجتناب النواهي.

3- وجوب التوبة من الربا ومن المعاصي كلها.

4- من تاب من الربا لا يظلم بأخذ شيء من رأس ماله، بل يعطاه كاملا.

5- نهي المرابي عن الربا؛ لأنه أظلم الظلم.

6- وجوب ذكر الدار الآخرة والاستعداد لها بالعمل الصالح وترك الربا والمعاصي كلها.

7- فضل إنظار المعسر.