نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء التاسع (في وجوب إخراج الصدقة من طيب المال وحُرْمَةِ إخراجِها من خَبِيثِهِ)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء التاسع (في وجوب إخراج الصدقة من طيب المال وحُرْمَةِ إخراجِها من خَبِيثِهِ)
380 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء التاسع (في وجوب إخراج الصدقة من طيب المال وحُرْمَةِ إخراجِها من خَبِيثِهِ)

النداء التاسع:

الإنفاق من الطيبات

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" (البقرة:267).

مناسبة الآية لما قبلها:

لما بين الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة الأسس التي تقوم عليها الصدقة وتنبعث منها، وبيان ما يجب أن يتصف به المنفق عند إنفاقه من الإخلاص، وتزكيه النفس من الرذائل، والبعد عن الرياء. وما يجب أن يتحلى به بعد الإنفاق من البعد عن المن والأذى اقتضى ذلك أن يكون الجود بأفضل الموجود، فلا يكون بالدون والرديء الذي يعافه صاحبه، بحيث لو قدم إليه مثله هدية ما قبله، إلا استحياء ولو بثمن إلا أن ينقص من قيمته، فاقتضى ذلك أن يكون المال المبذول من جيد الأموال.

سبب النزول:

روى ابن جرير بإسناده عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية في الأنصار إذا كان أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها البسر، فعلقوه على حبل بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل فقراء المهاجرين منه، فيعمد الرجل منهم إلى الحشف فيدخله مع قتاء البسر، يظن أن ذلك جائز، فأنزل الله فيمن فعل ذلك الآية.

معاني الكلمات:

"مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ" : من جيد أموالكم وأصلحها.

"وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ": من الحبوب وأنواع الثمار.

"وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ" : أي لا تقصدوا الرديء تنفقون منه.

"إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ": إلا أن تغضوا أبصاركم عن النظر في رداءته فتأخذونه بتساهل منكم وتسامح.

"غَنِيٌّ" : أي لا حاجة به إلى صدقاتكم.

"حَمِيدٌ": محمود في كل حال في جميع أفعاله وأقوله وشرعه وقدره لا إله إلا هو ولا رب سواه.

المعنى الإجمالي:

اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي الرحيم يحتوي على ما يلي من التعاليم الإلهية المسعدة للإنسان المؤمن، المزكية له وهي:

1- وجوب إخراج الصدقة من طيب المال.

2- حرمة إخراجها من خبيثه.

3- بيان وجوب الزكاة مما كسبه المؤمن من الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، إن بلغت النصاب وحال عليها الحول. ومما كسبه من الدنانير والدراهم أو ما يقوم مقامها من العمل المتداولة اليوم بين الناس إن بلغت النصاب وحال عليها الحول.

4- بيان وجوب الزكاة من الخارج من الأرض وهو الحبوب كالبر والشعير والذرة والزيتون والزبيب والتمر، إن بلغ نصابا، وكان مقتاتا مدخرا، أما ما لم يكن مقتاتا كالفلفل والبصل والثوم فلا زكاة فيه، وكذلك ما لا يدخر وإن كان مقتاتا كالبطيخ والقثاء والرمان والتين والتفاح والبرتقال، إلا أنه يستحب التصدق من كل خارج من الأرض مما لا تجب فيه الزكاة، لعدم توفر شرطي الزكاة فيه وهو الاقتيات والادخار.

هل تدري ما نصاب هذه المزكيات أيها القارئ؟ إنها في الإبل خمس من الإبل، وفي البقر ثلاثون بقرة، وفي الغنم ضأنا أو ماعزا أربعون شاة، وفي الحبوب والتمر خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا، والصاع أربعة أمداد أي حفنات، وفي العمل قيمة سبعين جرامًا من الذهب.

أرأيت أيها القارئ إن قيل لك عرفنا النصاب، في الأنعام لكنا ما عرفنا كم الخارج منه؟

فعلمه أن من ملك خمسًا من الإبل زكاها بشاة من الغنم، ومن ملك عشرا زكاها بشاتين، ومن ملك خمسة عشر زكاها بثلاث، ومن ملك عشرين زكاها بأربع شياه، ومن ملك خمسًا وعشرين زكاها ببنت مخاض أوفت سنة ودخلت الثانية، وإن من ملك ثلاثين بقرة وجب عليه فيها عجل يتبع أمه أوفى سنة. ومن ملك أربعين من الغنم وجب فيها شاة وما زاد على ما ذكر يُطلب من كتب الفقه المطولة، واعلم أيها القارئ أن ما بين الفريضتين يسمى وَقْصًا، وأنه لا زكاة فيه مثاله في الخمس من الإبل شاة حتى تبلغ عشرا، فالعدد ما بين الخمس والعشر لا زكاة فيه، وهكذا فالغنم في الأربعين شاة وفي المائة وواحدة وعشرين شاتان، فالعدد ما بين الأربعين إلى مائة وعشرين وقص لا زكاة فيه أي معفو عنه فاذكرها ولا تنسها فإنه لا بد منها.

هذا وهل فهمت من النداء قول الله تعالى: "وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ" إن معناه حرمة إخراج الزكاة أو الصدقة من رديء المال وفاسده ذاك الذي لو أعطيته أنت ما قبلته ورددته على صاحبه، اللهم إلا أن تغمض عينيك وتقبله حتى لا تغضب عليك من أعطاكه، وهو معنى قوله تعالى "إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ" وأخيرا اذكر ما ذكرنا الله تعالى به في هذا النداء الكريم إذ قال تعالى "وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" حتى لا تسول لك نفسك أن الله في حاجة إلى صدقة متصدق، فتمن ذلك عليه، أو أن الله فرض الصدقة لأجل أن يحمد من المتصدق عليهم، لا لا، فإنه تعالى غني حميد بإفضاله وإنعامه على خلقه، حميد بصفات الجلال والكمال فيه، إذ له الحمد في السماوات والأرض وله الحمد في الآخرة. وهو العزيز الحكيم.

ما يستفاد من الآيات:

1- وجوب الزكاة في المال بأنواعه.

2- وجوب الزكاة في الحرث، أي الحبوب والثمار ونحو ذلك.

3- النهي عن تعمد إنفاق الرديء وترك الجيد.

4- كل عمل يعمله المؤمن فهو له، والله غني عنه.

5- ينبغي للمسلم أن يقدر الله حق قدره، ويحمده على عطائه، فينفق من خير ما كسب.