كتاب المفردات في غريب القرآن - كتاب الباء (الباء)

كتاب المفردات في غريب القرآن - كتاب الباء (الباء)

الوصف

                                                   كتاب الباء 

                                                   (الباء)

الباء يجيء إمّا متعلّقا بفعل ظاهر معه، أو متعلّقا بمضمر،

 فالمتعلق بفعل ظاهر معه ضربان: 

- أحدهما: لتعدية الفعل، وهو جار مجرى الألف الداخل على الفعل للتعدية، نحو: ذهبت به، وأذهبته. قال تعالى: (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) [الفرقان/ ٧٢] .

- والثاني: للآلة، نحو: قطعه بالسكين والمتعلّق بمضمر يكون في موضع الحال، نحو: خرج بسلاحه، أي: وعليه السلاح، أو: معه السلاح. وربما قالوا: تكون زائدة، نحو: (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) [يوسف/ ١٧] ،

(وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء/ ١١٤] ، (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [الأنبياء/ ٤٧] ، وفي كل ذلك لا ينفكّ عن معنى، ربما يدقّ فيتصور أنّ حصوله وحذفه سواء، وهما في التحقيق مختلفان، سيما في كلام من لا يقع عليه اللغو، فقوله: (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) [يوسف/ ١٧] ، فبينه وبين قولك: (ما أنت مؤمنا لنا) فرق، فالمتصوّر من الكلام إذا نصبت ذات واحدة، كقولك: زيد خارج، 

والمتصور منه إذا قيل: (ما أنت بمؤمن لنا) ذاتان، كقولك: لقيت بزيد رجلا فاضلا، فإنّ قوله: رجلا فاضلا- وإن أريد به زيد- فقد أخرج في معرض يتصوّر منه إنسان آخر، فكأنه قال: رأيت برؤيتي لك آخر هو رجل فاضل.

وعلى هذا: رأيت بك حاتما في السخاء، وعلى هذا: (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء/ ١١٤] ، وقوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) [الزمر/ ٣٦] .

وقوله: (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون/ ٢٠] قيل معناه: تنبت الدهن، وليس ذلك بالمقصود، بل المقصود أنها تنبت النبات ومعه الدهن، أي: والدهن فيه موجود بالقوة، ونبّه بلفظة بِالدُّهْنِ على ما أنعم به على عباده وهداهم إلى استنباطه. وقيل: الباء هاهنا للحال ، أي: حاله أنّ فيه الدهن.

والسبب فيه أنّ الهمزة والباء اللتين للتعدية لا يجتمعان، وقوله: (وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً) [الفتح/ ٢٨] ، فقيل: كفى الله شهيدا نحو: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) [الأحزاب/ ٢٥] الباء زائدة، ولو كان ذلك كما قيل لصحّ أن يقال: كفى بالله المؤمنين القتال، وذلك غير سائغ، وإنما يجيء ذلك حيث يذكر بعده منصوب في موضع الحال كما تقدّم ذكره. والصحيح أن (كفى) هاهنا موضوع موضع اكتف، كما أنّ قولهم: أحسن بزيد، موضوع موضع ما أحسن. ومعناه: اكتف بالله شهيدا، وعلى هذا (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) [الفرقان/ ٣١] ، (وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [النساء/ ١٣٢] ، [الأحزاب/ ٤٨] ، وقوله: (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت/ ٥٣] ، وعلى هذا قوله: حبّ إليّ بفلان، أي: أحبب إليّ به.

وممّا ادّعي فيه الزيادة: الباء في قوله: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة/ ١٩٥] ، قيل تقديره: لا تلقوا أيديكم، والصحيح أنّ معناه: لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة  ، إلا أنه حذف المفعول استغناء عنه وقصدا إلى العموم، فإنه لا يجوز إلقاء أنفسهم ولا إلقاء غيرهم بأيديهم إلى التهلكة.

وقال بعضهم: الباء بمعنى (من) في قوله: (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) [المطففين/ ٢٨] ، (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ)  [الإنسان/ ٦] ، والوجه ألا يصرف ذلك عمّا عليه، وأن العين هاهنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء بعينه، نحو: نزلت بعين، فصار كقولك: مكانا يشرب به، وعلى هذا قوله تعالى: (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) [آل عمران/ ١٨٨] أي: بموضع الفوز. والله تعالى أعلم.