كتاب المفردات في غريب القرآن - كتاب الباء (بشر)

كتاب المفردات في غريب القرآن - كتاب الباء (بشر)

الوصف

                                                      كتاب الباء 

                                                        (بشر)

البَشَرَة: ظاهر الجلد، والأدمة: باطنه، كذا قال عامّة الأدباء، وقال أبو زيد بعكس ذلك ، وغلّطه أبو العباس وغيره، وجمعها: بَشَرٌ وأَبْشَارٌ، وعبّر عن الإنسان بالبَشَر اعتبارا بظهور جلده من الشعر، بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الشعر أو الوبر، واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع، وثني فقال تعالى: (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ) [المؤمنون/ ٤٧] .

وخصّ في القرآن كلّ موضع اعتبر من الإنسان جثته وظاهره بلفظ البشر، نحو: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً) [الفرقان/ ٥٤] ، وقال عزّ وجل: (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) [ص/ ٧١] ، ولمّا أراد الكفار الغضّ من الأنبياء اعتبروا ذلك فقالوا: (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) [المدثر/ ٢٥] ، وقال تعالى: (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) [القمر/ ٢٤] ، (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) [يس/ ١٥] ، (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) [المؤمنون/٤٧] ،

 (فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) [التغابن/ ٦] ، وعلى هذا قال: (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [الكهف/ ١١٠] ، تنبيها أنّ الناس يتساوون في البشرية، وإنما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة والأعمال الجميلة، 

ولذلك قال بعده: (يُوحى إِلَيَّ) [الكهف/ ١١٠] ، تنبيها أني بذلك تميّزت عنكم. وقال تعالى: (لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) [مريم/ ٢٠] فخصّ لفظ البشر، وقوله: (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [مريم/ ١٧] فعبارة عن الملائكة، ونبّه أنه تشبّح لها وتراءى لها بصورة بشر، وقوله تعالى: (ما هذا بَشَراً) [يوسف/ ٣١] فإعظام له وإجلال وأنه أشرف وأكرم من أن يكون جوهره جوهر البشر.

وبَشَرْتُ الأديم: أصبت بشرته، نحو: أنفته ورجلته، ومنه: بَشَرَ الجراد الأرض إذا أكلته، والمباشرة: الإفضاء بالبشرتين،

 وكنّي بها عن الجماع في قوله: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) [البقرة/ ١٨٧] ، وقال تعالى: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) [البقرة/ ١٨٧] .

وفلان مُؤْدَم مُبْشَر ، أصله من قولهم: أَبْشَرَهُ الله وآدمه، أي: جعل له بشرة وأدمة محمودة، ثم عبّر بذلك عن الكامل الذي يجمع بين الفضيلتين الظاهرة والباطنة.

وقيل معناه: جمع لين الأدمة وخشونة البشرة، وأَبْشَرْتُ الرجل وبَشَّرْتُهُ وبَشَرْتُهُ: أخبرته بسارّ بسط بشرة وجهه، وذلك أنّ النفس إذا سرّت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر، وبين هذه الألفاظ فروق، فإنّ بشرته عامّ، وأبشرته نحو: أحمدته، وبشّرته على التكثير، وأبشر يكون لازما ومتعديا، يقال: بَشَرْتُهُ فَأَبْشَرَ، أي: اسْتَبْشَرَ، وأَبْشَرْتُهُ، وقرئ: (يُبَشِّرُكَ) [آل عمران/ ٣٩] ويبشرك ويبشرك ، 

قال الله عزّ وجلّ: (لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ قالَ: أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا: بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ) [الحجر/ ٥٣- ٥٤] .

واستبشر: إذا وجد ما يبشّره من الفرح، قال تعالى: (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) [آل عمران/ ١٧٠] ، (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ) [آل عمران/ ١٧١] ،

 وقال تعالى: (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) [الحجر/ ٦٧] . ويقال للخبر السارّ: البِشارة والبُشْرَى، قال تعالى: (هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) [يونس/ ٦٤] ، 

وقال تعالى: (لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) [الفرقان/ ٢٢] ، (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) [هود/ ٦٩] ، (يا بُشْرى هذا غُلامٌ) [يوسف/ ١٩] ، (وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى) [الأنفال/ ١٠] .

والبشير: المُبَشِّر، قال تعالى: (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) [يوسف/ ٩٦] ، فَبَشِّرْ عِبادِ [الزمر/ ١٧] ، (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) [الروم/ ٤٦] ، أي: تبشّر بالمطر.

وقال صلّى الله عليه وسلم: «انقطع الوحي ولم يبق إلا المبشّرات، وهي الرؤيا الصالحة، يراها المؤمن أو ترى له» وقال تعالى: (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) [يس/ ١١] ، وقال: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران/ ٢١] ،

 (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ) [النساء/ ١٣٨] ، (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [التوبة/ ٣] فاستعارة ذلك تنبيه أنّ أسرّ ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب، وذلك نحو قول الشاعر: تحيّة بينهم ضرب وجيع ويصحّ أن يكون على ذلك قوله تعالى: قُلْ: (تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّار) [إبراهيم/ ٣٠] ، وقال عزّ وجل: (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) [الزخرف/ ١٧] .

ويقال: أَبشرَ، أي: وجد بشارة، نحو: أبقل وأمحل، (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت/ ٣٠] ، وأبشرت الأرض: حسن طلوع نبتها، ومنه قول ابن مسعود رضي الله عنه: (من أحبّ القرآن فليبشر)  أي: فليسرّ. قال الفرّاء: إذا ثقّل فمن البشرى، وإذا خفّف فمن السرور يقال: بَشَرْتُهُ فَبَشَرَ، نحو: جبرته فجبر، وقال سيبويه : فَأَبْشَرَ، قال ابن قتيبة : هو من بشرت، الأديم، إذا رقّقت وجهه، قال: ومعناه فليضمّر نفسه، كما روي: «إنّ وراءنا عقبة لا يقطعها إلا الضّمر من الرّجال» ، 

وعلى الأول قول الشاعر: فأعنهم وابشر بما بشروا به ... وإذا هم نزلوا بضنك فانزل وتَبَاشِير الوجه وبِشْرُهُ: ما يبدو من سروره، وتباشير الصبح: ما يبدو من أوائله.

وتباشير النخيل: ما يبدو من رطبه، ويسمّى ما يعطى المبشّر: بُشْرَى وبشَارَة.