كتاب المفردات في غريب القرآن-الشريعة وعلوم الحكمة (الجمع بين الشريعة والحكمة)

الوصف
الشريعة وعلوم الحكمة
(الجمع بين الشريعة والحكمة)
ويقال: أول من خلط المنطق بأصول المسلمين أبو حامد الغزالي.
والذي نراه أنّ الراغب الأصفهاني بدأ هذه المحاولة قبل الغزالي، حيث قال الشهرزوري في ترجمته: (وهو الذي جمع بين الشريعة والحكمة في تصانيفه) والغزالي حاول الجمع بين الشريعة والحكمة، وهو أحسن من جمع بينهما، ويتجلى ذلك في كتابه الكبير «إحياء علوم الدين» ، لكنه مع ذلك لم يخل من انتقادات، وكتابه الإحياء قمة في الإنتاج العلمي، ومع ذلك فقد حذّر العلماء من بعض المواضع فيه. وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: «الإحياء» وضعه على مذاهب الصوفية، وترك فيه قانون الفقه، فأنكروا عليه ما فيه من الأحاديث التي لم تصح وممن حاول الجمع بينهما تاج الدين الشهرستاني، فقد كان يصنف تفسيرا، ويؤوّل الآيات على قوانين الفلسفة والحكمة، فقال له ظهير الدين البيهقي: هذا عدول عن الصواب، والقرآن لا يفسّر إلا بتأويل السلف والتابعين، والحكمة بمعزل عن تفسير القرآن، خصوصا ما كنت تؤوله، ولا تجمع بين الشريعة والحكمة أحسن مما جمعه الغزالي، فامتلأ غضبا . والشهرستاني متوفى سنة ٥٤٨ هـ.
ولابن رشد كتاب فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال
ثم فشت الفلسفة وانتشرت، وكان ابتداء فشوّها في المتأخرين ما ذكره الحافظ ابن كثير في تأريخه سنة ٦٧٢ هـ قال: بعد أخذ التتار بغداد سنة (٦٥٦ هـ) عمل الخواجا نصير الطوسي الرصد، وعمل دار حكمة فيها فلاسفة، لكل واحد في اليوم ثلاثة دراهم، ودار طبّ فيها للحكيم درهمان، وصرف لأهل دار الحديث لكل محدث نصف درهم في اليوم.
ومن ثمّ فشا الاشتغال بالعلوم الفلسفية وظهروكانت سوق الفلسفة والحكمة نافقة في الروم أيضا بعد الفتح الإسلامي إلى أواسط الدولة العثمانية، وكان في عصرهم فحول ممن جمع بين الحكمة والشريعة كالعلامة شمس الدين الفناري، والفاضل قاضي زاده الرومي وغيرهم ولأبي علي عيسى بن زرعة البغدادي رسالة في أنّ علم الحكمة أقوى الدواعي إلى متابعة الشريعة، وفيها يقول: من قال: إن الحكمة تفسد الشريعة فهو الطاعن في الشريعة وبعد ذلك نقول: كلّ من اشتغل بعلوم الحكمة ممن التزم ملة من ملل الأنبياء بقي على طريقته وحاول الجمع بينها وبين الشريعة فسدّد وقارب، ولكنه لم يخل من انتقادات.
وأمّا من سلك طريق الحكماء المشاءين الذين لم يلتزموا ملة من الملل، أو طريق الحكماء الإشراقيين الذين لم يوافقوا في رياضتهم أحكام الشرع فقد زلّت به القدم وربما وصل إلى الكفر والارتداد، إذ لم يستطع الجمع بين الشريعة والحكمة فردّ ما جاءت به الشريعة، وانتصر لقول الحكماء.