كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم (هل شرع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الانتحار؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم (هل شرع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الانتحار؟)

الوصف

                                                  الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم 

                                                          (هل شرع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الانتحار؟)

ادّعى الفادي المجرمُ أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرَعَ في الانتحار، ونَسَبَ هذا الادّعاءَ إِلى علماءِ المسلمين.

قال: " قالَ علماءُ المسلمين: إِنه لما فَتَرَ الوحيُ عنه حَزِنَ حُزْناً شَديداً، حتى كانَ يَغدو إِلى يَثرب مرة، وإِلى حِراء مرةً أُخرى ، يُريدُ أَنْ يُلقيَ نفْسَه منه، فكلما وافى ذِرْوَةَ جَبَلٍ منهما كي يُلقي نفسَه، تَبَدّى له جبريل، فقالَ له: يا محمد! أَنت رسولُ الله حقاً، فيسكُنُ لذلك جأشُه، وتَقَرُّ عينُه، ويَرجع، وإِذا طالَتْ عليه فترةُ الوحيِ عادَ لمثْلِ ذلك واختلفوا في مدةِ هذه الفترة، فعند ابنِ إِسحاق أنها ثلاثُ سنوات.

وقالَ أَبو القاسمِ السُّهَيْلي: جاءَ في بعضِ الأَحاديثِ المسندةِ أَنَّ مدةَ هذه الفترةِ كانتْ سنتَيْن ونصفاً، وقالَ السيوطي: إِنها كانتْ سنتين ... "

وعَلَّقَ الفادي المجرمُ على هذا الادِّعاءِ بقوله: " ونحنُ نسأَل: كيفَ يُحاولُ نبيّ الانتحارَ؟ ويقولُ القرآنُ معاتباً محمداً: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ... ) : أَيْ: قَاتِلُهَا غمّاً ".

وما نَقَلَه الفادي عن كتب إِسلامية مردودٌ وباطل، ولم يُنقلْ هذا بروايات صحيحة.

فالرسولُ - صلى الله عليه وسلم - لم يَشرعْ في الانتحار، ولم يُفكرْ في قَتْلِ نفسِه، ولم يكنْ يَتَنقلُ بين رؤوسِ جبالِ مكة، ليتردّى منها، فيلاحقُه جبريلُ ويُناديه، ويُطَمئنُه أَنه رسولُ الله.

لقد كانَ رسولُ الله - عليه السلام - يوقنُ أَنه رسولُ الله، منذُ أَنْ أَنزلَ اللهُ عليه الوحي، وكان على بينةٍ من ربِّه وقد شهدَ اللهُ له بتلك البينة في قوله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً) .

ومن جهلِ الفادي وغَبائِه أَنه لم يُحسنْ فهمَ آيةٍ من القرآن، فيها تسليةٌ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

وهي قولُ الله - عز وجل - (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)) .

لا تتحدَّثُ الآيةُ عن رغبةِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - في الانتحارِ والتخلُّصِ من الحياة، كما ادَّعى الفادي المجرم، وإِنما تشيرُ الآيةُ إِلى اهتمامِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - بقومه، وحرصِه على هدايتهم، وتأَلمِه من تكذيبِهم وكفرِهم، وتَدْعوهُ الآية ُ إِلى أَنْ لا يُهلكَ نفسَه هَمّاً وغَمّاً وحُزْناً عليهم، ومن المعلومِ أَنه إِذا زادَ الهَمُّ والغَمُّ عند إِنساب، فإِنه قد يَقْضي عليه.