كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم (حول أحوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الوحي)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم (حول أحوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الوحي)

الوصف

                                                   الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم 

                                                          (حول أحوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الوحي)

أَثارَ الفادي المفترِي الشبهاتِ حولَ أَحوالِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما كانَ يَأتيه الوحي، وَوَجَّهَ الاتهاماتِ له في عَقْلِه ونَفْسِه وأَعْصابِه، مما يدلُّ على أَنَّه ليس رسولاً، وأَنَّ الذي يتخيَّلُه ليس وحياً.

١ - الرسول المزمل المدثر: قالَ الله - عز وجل -: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢)) .

والمُزَّمِّلُ هو المتَغَطي بثيابِه. ونقلَ عن تفسرِ البيضاوي معاني الآيات الأولى من السورة.

وقال - عز وجل -: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)) .

والمُدَّثِّرُ هو المتَغَطّي بثجابِه أَيْضاً، ونقلَ عن تفسيرِ البيضاوي معاني آياتِ السورة.

ومع تحفُّظِنا على بعضِ ما وَرَدَ في تفسيرِ البيضاوي، من رواياتٍ وأَخبارٍغيرِ دقيقة، أَو مرجوحة، إِلّا أَنّنا لن نتوقَّف معها، وننتقلُ مع الفادي المفتري لنرصدَ شبهاته واتهاماتِه وافتراءاتِه.

٢ - هل صورة الرسول - صلى الله عليه وسلم - صورة السكران؟ : قال الفادي المفترِي: " جاءَ في الأَحاديث الصحيحة أَنَّه إِذا نَزَلَ عليه الوحْيُ يُغْشى عليه، لتغيُّره تَغَيُّراً شديداً، حتى تصيرَ صورَتُه كصورةِ السَّكْران.

وقال علماءُ المسلمين: إِنه كانَ يُؤْخَذُ من الدنيا "

وفي هذا الكلامِ مُغالطاتٌ وافتراءات، أَطْلقَهَا الفادي المجرمُ ضدَّ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ونَسَبَها لعلماءِ المسلمين. أَمّا أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - كان يَتَأَثَّرُ بالوَحْي، وأَنه كانَ يُغْشى عليه من ثقَلِ الوَحْي، فهو صحيح. 

وهذا ما وَرَدَ في الأَحاديثِ الصحيحة. ونكتفي من هذه الأَحاديث بالحديثِ الثاني من صحيحِ البخاري، حيثُ روى البخاريُّ عن عائشة - رضي الله عنها -: أَن الحارثَ بنَ هشام - رضي الله عنه - سأَلَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: يا رسولَ الله، كيفَ يَأتيك الوَحْي؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَحْياناً يأْتِيني مثل صَلصلة الجَرَسِ، وهو أشَدُّه علَيَّ، فيفصمُ عني وقد وَعَيْتُ عنه ما قالَ، وأحْيَاناً يتمثَّلُ لي المَلَكُ رَجُلاً فيكَلِّمُني، فأعي ما يقول ".

قالَتْ عائشةُ - رضي الله عنها - " ولقد رأيْتُه يَنزِلُ عليه الوحْيُ في اليومِ الشَّديدِ البَرْدِ، وإِنَّ جبينَه ليتفَصَّدُ عَرَقاً ".

يعترفُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنه كانَ يُعاني شِدَّةً من نُزولِ الوحي عليه، وتشهدُ عائشةُ - رضي الله عنها - لذلك بأَنها رأَتْه يَنزلُ العرقُ من جبينِه في اليومِ الشديدِ البَرْد.

لكنَّ هذه الشدةَ التي كانتْ تقعُ به عندما يَغشاهُ الوحيُ، لم تُؤَدّ إِلى تَغَيُّرِه هو في بَدَنِه وجسْمِه، وفي نَفسيَّتهِ وأَعصابه، ولم تتغيَّرْ صورتُه تغيُّراً سلبيّاً.

وقد كانَ الفادي بَذيئاً فاجرا عندما شَبَّهَ صورَتَه بصورةِ السكران، وصورةُ السكران صورةٌ كريهةٌ مُقَزّزة، وكيفَ تُشَبَّهُ بها صورةُ أَشرفِ الخلقِ وأَكرمِهم وأَطيبِهم - صلى الله عليه وسلم -، وهو في أَشرفِ أحوالِه، حيث يتلقّى كلامَ الله وهو في غايةِ السعادةِ والسرور، والوعي والانتباه.

لكنّ الفادي مجرمٌ مفتر، قالَ كَلاماً لم يَقُلْهُ أَحَدٌ من المسلمين. وافترى المفترِي افْتراءً آخَرَ عندما نَسَبَ لعلماءِ المسلمين قولَهم: إِنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُؤْخَذُ من الدنيا! أَيْ أَنّه كان يَغيبُ عن الدنيا بفكْرِه وعَقْلِه، ويَسرحُ في تخيّلاتِه.

ونأخذُ من كلامِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَبلغَ رَد على هذا، حيثُ كانَ يركزُ على وَعْيِهِ وحُضورِه وانتباهِهِ، للدلالةِ على أَنه يعيشُ الحَدَثَ بكيانِه كُلّه: " فيفْصمُ عنّي وقد وعيتُ ما قال ".