كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم (هل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مذنب؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم (هل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مذنب؟)

الوصف

                                                    الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم

                                                                   (هل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مذنب؟)

عِنوانُ الفادي الخبيثِ هو: " وِزْرٌ ينْقضُ الظَّهرَ ". أَيْ أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ له من الأَوزارِ والذنوبِ ما أَتْعَبَه وأَنقضَ ظَهْرَه.

وَقَفَ أَمامَ قولِ اللهِ - عز وجل -: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣)) .

ونَقَلَ عن تفسيرِ البيضاويِّ كلاماً غيرَ دَقيقٍ وغيرَ مُسَلَّمٍ في تفسيرِ الآية، وخَرَجَ منه بأَنَّ للرسولِ وزراً وذَنْباً ومعصية، وَضَعَه عنه الله.

وهذا كلامٌ باطل، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - معصومٌ عن الذنوبِ والمعاصي. والوِزْرُ في الآيةِ ليس هو الذنْبَ، وإِنما هو حملُ مهمةِ الدعوةِ وواجبِ الرسالة، والاهتمامُ بالناسِ ودعوتِهم وإِرشادِهم، وهذه مهمةٌ ثقيلةٌ شاقَّة، وقد أَعانَ اللهُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - على حَمْلِها، وخَفَّفَ عليه أَداءَها، ولولا فَضْلُ اللهِ عليه لما تمكَّنَ من ذلك.

فالوزْرُ هنا حِمْلٌ معنويّ نفسي، وليس حِمْلاً ماديّاً على الظهر، وهو وِزْرٌ إِيجابيٌّ فيه تبليغٌ للدعوة، وليس وِزْراً سَلْبِيّاً فيه ذنبٌ ومخالفةٌ ومعصية .

ووقفَ أَمامَ قولِ الله - عز وجل - (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) ، وقول الله - عز وجل -: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) .

وقول الله - عز وجل - (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٥٥)) .

وقد أَخَذَ الفادي المجرمُ هذه الآيات ِ على ظاهِرِها، وجَعَلَها إِدانةً للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وشاهِدَةً على أَنه يُذنبُ ويُخطئُ ويَعصي.

وقالَ مُعَلّقاً عليها: " ونحنُ نسأَلُ: هل يَصِحُّ الادِّعاءُ أَنه شَفيعٌ وهو نفسُه مُذْنِب؟! "

من المتفقِ عليه عند المسلمين أَنَّ اللهَ عَصَمَ رُسُلَه وأَنبياءَه من الوقوعِ في الذنوبِ والمعاصي، ولم يَجعلْ سُلْطاناً للشيطانِ على أَحَدٍ منهم، فلم يَصْدُرْ من أَحَدٍ منهم معصيةٌ أَو ذَنْب.

وعلى أَساسِ هذه الحقيقةِ نفهمُ الآياتِ السابقة، التي يَدْعو اللهُ فيها رسولَه - صلى الله عليه وسلم - إِلى الاستغفارِ لذنبه.

ذَنْبُ الرسولِ - عليه السلام - ليس ذَنْباً حقيقياً، قائماً على فعلِ المعصية، وإِنما هو ذنبٌ معنوي يَقومُ على نوعٍ من تَرْكِ الأَوْلى، والسهوِ والغفلةِ والنسيان، الذي لا يُؤَدّي إِلى تَرْكِ واجبٍ أَو فعْلِ مُحَرَّم.

قد يفعلُ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - خِلافَ الأَوْلى، فيعاتبُه الله، وقد يَمُرُّ بحالةٍ من السهوِ اليسير أو الغفلةِ البسيطة، فيتداركُه الله، وهذا نوعٌ من التقصير، يَستدعي أَنْ يستغفرَ اللهَ منه، ليبقى - صلى الله عليه وسلم - في كاملِ تَأَلُّقِهِ وارتقائِه.

وقديماً قيل: حَسناتُ الأَبرارِ سيئاتُ المقرَّبين. إِنَ استغفارَ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - وتوبتَه نوعٌ من أَنواعِ ذكْرِه لله، وعلى هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنّه ليُغانُ على قلبي فأَتوبُ إِلى الله وأستغفرُه في اليومِ مئة مَرَّة ".

 استغفارُه للهِ صورةٌ من صُوَرِ ذِكْرِه وشُكْرِه له.

وهذا معناهُ وجوبُ التفريقِ بين استغفارِنا واستغفارِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فاستغفارُنا بسببِ ذنوبِنا ومعاصينا الكثيرةِ المستمرة، وكلُّنا رجاءٌ في الله أَنْ يَغفَرها لنا.

أَمَّا استغفارُ رسولِنا - صلى الله عليه وسلم - فإِنه ذِكْرٌ منه لله، وقُرْبى يَتقربُ به إِليه.

وقد خَصَّ اللهُ حبيبَه محمداً - صلى الله عليه وسلم - بمقامِ الشفاعةِ المحمود، حيثُ يَأذَنُ له أَنْ يَشفعَ للناسِ يومَ القيامةِ الشفاعةَ العامَّةَ بفتح بابِ الحساب لهم، ثم يَأْذَنُ له أَنْ يَشفعَ لأَمَّتِه شفاعةً خاصةً بأَنْ يُدخِلَهم الجَنَّة، وشفاعتُه - صلى الله عليه وسلم - ثابتةٌ في الأَحاديثِ الصحيحةِ المتفقِ عليها، وكُلُّ مسلمٍ يَطمعُ في أَنْ يَسعدَ بتلكَ الشفاعة.

أَمّا الفادي الكافرُ المجرمُ فإِنه محرومٌ من الشفاعة، ولذلك يُنكرُها، ويشتمُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم