كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم (لم يطرد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الفقراء والعبيد)

الوصف
الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم
(لم يطرد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الفقراء والعبيد)
اتَّهَمَ الفادي المجرمُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بأَنه طَرَدَ الفقراءَ من أَتْباعِهِ من أَجْلِ كسبِ رضا الأَغنياءِ من الكفار!.
ذَكرَ تحتَ عنوان: " يَطْرُدُ الفقراء " قولَ الله - عز وجل -: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢)) .
وعَلَّقَ على الآيةِ قائلاً: " جاءَ الأَقرعُ بنُ حابس التميمي وعيينةُ بنُ حصن الفَزارِي، فوجَدوا محمداً قاعداً مع صُهيبٍ وبِلال وعمارٍ وخَبّاب، في نَفَرٍ من ضعفاءِ المسلمين، فلما رأوهم حولَه حَقَّروهم، فقالوا لمحمد:
لو جلستَ في صَدْرِ المجلس، ونَفيتَ عَنّا هؤلاء وأَرواحَ جِبابِهم - وكانتْ عليهم جِبابُ صوف، لها رائحةٌ كريهة - وأَخَذْنا عنك، ونحبُّ أَنْ تجعلَ لنا منك مجلساً، تعرفُ به العربُ فَضْلَنا، فإِنَّ وُفودَ العرب تأتيكَ، فنستحيي
أَنْ تَرانا مع هؤلاءِ العبيد، فإِذا نَحْنُ جئْناكَ فأَقمهم عَنَّا، وإِذا نحنُ فَرَغْنا فأَقْعِدْهم حيثُ شئتَ.
فقالَ لهم: نَعَم أَفعل. قالوا: فاكتبْ لنا عليكَ بذلكَ كتاباً. فأَتى بالصحيفة، ودَعا عَلِيّاً ليكتبَ ولما راجَعَ نفسه، ورأى أَنها أُحبولة، قالَ: إِنَّ جبريلَ نهاه.
وقالَ ابنُ عباس: إنّ ناساً من الفقراءِ كانوا مع النبيِّ، فقال ناسٌ من أَشرافِ الناس: نؤمنُ بك، وإِذا صَلّيْنا فأَخِّرْ هؤلاء الناسَ الذين معك، فلْيُصَلّوا خَلْفَنا، فكادَ أَنْ يُجيبَ الطلب، ولما رأَى ما فيه من الظلمِ قال: إِنَّ اللهَ نَهاهُ عن ذلك ".
الروايةُ التي نقلَها الفادي عن بعضِ الكتبِ الإِسلاميةِ غيرُ صحيحة؛ لأَنَّ الآية (٥٢) هي من سورة الأَنعام، وسورةُ الأَنعام مكية، وكان نزولُها قبلَ الهجرةِ بحوالي خمس سنوات، وكان إِسلامُ الأقرعِ بنِ حابس وعيينةَ بن حصن في عامِ الوفود، في السنةِ التاسعةِ للهجرة.
أَيْ أَنَّ نُزولَ الآيةِ كان قبلَ وُقوعِ الحادثة بحوالي أَربعَ عشرة سنة، فكيف تَنزلُ الآيةُ قبلَ وقوعِ السببِ بهذه السنواتِ الطويلة؟!.
إِنَّ الفادي جاهلٌ غَبيٌّ، لا يَعرِفُ معنى سببِ النزول، ولذلك وَقَعَ في هذا الخطأ! إِنَّ التعريفَ المعتمدَ لسببِ النزولِ هو: ما نَزَلَتِ الآيةُ تُبَيِّنُ حُكْمَه عندَ نزولِها.
أَما آيةُ سورةِ الأَنعام المذكورةُ فإِنها نزلَتْ لتثبيتِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - على الحقّ، وللرّدّ على طلبِ المشركينَ الغريب. وخَيْرُ مَنْ يُخبرُ عن سببِ نزولِها أَحَدُ الذين أُنزلَتْ فيهم، وهو سَعْدُ بنُ أَبي وقاص - رضي الله عنه -. روى مسلمٌ عن سعدِ بن أَبي وقاص - رضي الله عنه -، قال: كُنّا معَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ستة نفر.
فقالَ المشركون للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: اطردْ هؤلاء، لا يَجْتَرِئونَ علينا! قَال: وكنتُ أنا وابنُ مسعود، ورجلٌ من هُذَيْل، وبلالٌ، ورَجُلانِ لستُ أُسَمّيهما، فوقَعَ في نفسِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما شاءَ اللهُ أَنْ يَقَع، فأنزلَ اللهُ قولَه تعالى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) .
تدلُّ الروايةُ على أَنَّ المشركينَ أَرادوا إبعادَ الفقراءِ والعبيدِ عن مجلسِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وطلبوا ذلك منه، لكنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - لم يَستجبْ لهم، ولم يَطردْ هؤلاءِ الفقراء، كما ادَّعى الفادي الكاذبُ المفترِي.
وإِنزالُ الآية المذكورةِ عليه، وأَمْرُهُ أَنْ يَبقى مع هؤلاء الفقراء، لا يدلُّ على أَنه طَرَدَهم، أَو اتفقَ مع المشركين على طردهم، أَو فَكَّرَ في طَرْدِهم، والآيةُ توجيهٌ وتذكيرٌ للرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وتلتقي عدةُ آياتٍ على تَقريرِ وتأكيدِ وترسيخِ هذه الحقيقة، منها قوله تعالى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ..) .
وقوله تعالى (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..) .
وقوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (٢٨)) .