كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم (التشكيك في عفَّة عائشة - رضي الله عنها -)

الوصف
الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم
(التشكيك في عفَّة عائشة - رضي الله عنها -)
كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم (التشكيك في عفَّة عائشة - رضي الله عنها -)
شَكَّكَ الفادي المجرمُ في عِفَّةِ عائشةَ - رضي الله عنها -، وكَرَّرَ ما قالَه المنافقون الكافرون في اتِّهامها.
وكانتْ وقفتُه الفاجرةُ الخبيثةُ أَمامَ قولِ اللهِ - عز وجل -: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١)) .
ذَكَرَ خُلاصَةَ الحادثة كما وَرَدَتْ في تفسير البيضاويِّ: من أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خرجَ في غزوةٍ من غزواتِه، واستصحبَ معه عائشة - رضي الله عنها -، ولما عاد من الغزوة إِلى المدينة، نَزَلَ بالجيشِ ليلاً ليستريحوا، ثم نادى بالرَّحيل، وكانتْ عائشةُ قد مَشَتْ قليلاً لتقضيَ حاجتَها، ولما عادَتْ إِلى الرَّحْلِ عرفَتْ أَنها أَضاعَتْ عُقْدَها الذي في عنقِها، فعادَتْ لتبحث عنه، وظنَّ المكلَّفُ بترحيلها أَنها داخلَ الهودج، فأَقامَ الناقة وسارَ بها مع الجيش، وهو يوقنُ أَنَّ عائشةَ في الهودَج، ولما عادَتْ إِلى المكانِ في الليل وَجَدَت الجيش قد تحركَ فجلَستْ على الأَرض مكانها.
وكان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قد كَلَّفَ صفوانَ بنَ المعَطِّلِ السلميَّ - رضي الله عنه - أَنْ يَسيرَ خَلْفَ الجيش، ليلتقطَ ما يسقطُ منه.
ولما وصلَ صفوانُ إِلى المكانِ رأى عائشة، فأَناخ راحلَتَه، فركبَتْها وساقَها حتى وَصَلَ الجيش.
ولما رآهُ المنافقون أَشاعوا حادثةَ الإِفك، واتَّهموها في عِفَّتها وطهارتِها.
واستمرَّ الحديثُ حول الشائعةِ حوالي خمسين يوماً، وأَنزل اللهُ بعدَ ذلك شهادةً ببراءةِ عائشةَ - رضي الله عنها -، وأَقامَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - حَدَّ القَذْفِ على الذينَ رَدَّدوا الإِشاعة، واتهموها في عِرْضها .
وأَطلقَ الفادي المجرمُ سِهامَه الخبيثة المسمومة، وقَذَفَ عائشةَ - رضي الله عنها - في عِفَّتِها.
قال: " ونحنُ نسأل: هل كان زواجُ محمدٍ بعائشة بركةً له أَم لعنةً عليه؟.
قال ابنُ هشام: إن محمداً تزوج ثلاثَ عشرة امرأة، منهنَّ عائشة، التي كانَتْ بِنْتَ لسِتٍّ لَمّا عَقَدَ عليها، وبِنْتَ تِسعٍ لَمَّا بَنى بها.
فلماذا يتزوجُ محمدٌ وهو شيخٌ بطفلةٍ في التاسعة؟ وإنْ كانَتْ هذه عادةُ عربِ زمانِه، فلماذا لم يُصْلِحْ نَبِيُّ العَرَبِ عادة أَهْلِ زمانه، بَدَل أَنْ يُمارِسَها معهم؟ ولماذا كان محمدٌ يصطحبُها معه في غَدْواتِه ورَوْحاته، حتى في الحروب، فتصبحَ سيرتُه وسيرتُها مضغةً في الأفواه، كما حَدَثَ مع صفوانَ بن المعَطِّل في غزوةِ بني المْصطَلِق؟.
ولقد كانَ عليُّ بنُ أَبي طالب حكيماً، وهو يُقدِّمُ النصحَ لابنِ عَمِّه وَحَميِّه، ويقول له: لم يُضَيِّق اللهُ عليك، والنساءُ سواها كثير.
ولكنَّ علياً لم يكنْ يعلمُ مكانةَ عائشةَ في قلبِ محمد، وقد كانَ يقول عنها: إِنها بينَ نسائِه كالثريد بينَ الطعام.
فذهبَ محمدٌ إِليها، وقال لها: " بَلَغَني عنك ما بَلَغني، فإِنْ كنت بِريئةً فيبرِّئُكِ اللهُ، وإِنْ كنتِ أَلممْتِ بذنْبِ فاستْغفِري اللهَ وتوبي إِليه، فإِنَّ العبدَ إِذا اعترفَ بذنْبه ثم تابَ تابَ اللهُ عليَه ".
وسرعانَ ما جاءَ جبريلُ بوحيٍ يُبَرِّئُ عائشة، ويَلْعَنُ الذين اتَّهموها، وشَغَلَتْ شهادَةُ جبريلَ ولعناتُه ثماني عشرةَ آية من سورة النور.
قال ابنُ عباس - كما ذَكَر البيضاوي -: " لو فَتَّشْتَ وعيداتِ القرآن لم تَجِدْ أَغلظَ مما نَزل في إِفْكِ عائشةَ - رضي الله عنها -".
أَلا يرى العاقلُ أَنَّ محمداً شَحَنَ قرآنَه بشؤونه الخاصةِ وشؤونِ نسائِه؟ وإذا كانتْ عائشةُ بريئةً، فلماذا لم يُبَرِّئْها في الحال؟.
ولماذا لَبِثَ الوحيُ مدةً طويلة، تاركاً إِياها في بيت أَبيها، ومحمد مرتابٌ في عِفّتها؟.. ".
كلامُ الفادي المجرم وقحٌ قبيح، وكلُّه اتهامٌ للرسولِ - صلى الله عليه وسلم - ولعائشةَ - رضي الله عنها -.
إِنه يَعتبرُ زواجَه بعائشةَ لعنةً عليه، وأَنه خسر كثيراً بسببه، علماً أَنَّ حياةَ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - مع عائشةَ كانَتْ سعيدةً هانئة، وكانتْ عالشةُ مباركةً - رضي الله عنها -.
وأَثارَ المجرمُ إِشْكالاً حولَ عُمْرِ عائشة عندما تزوَّجَها - صلى الله عليه وسلم -، صَحيحٌ أَنه خَطَبَها وهي بنتُ لسِتِّ سنوات، ودخلَ بها وهي بنتُ تِسْعِ سنوات، - ولا غَرابَةَ في هذا الزواج، فقد كانَتْ كاملةَ الأُنوثةِ وهي في هذا السِّنِّ، ومعلوم أَنَّ البَناتِ في المناطقِ الحارَّةِ تكبرُ أَجسامُهُنَّ بِسُرْعة.
أَما اصطحابُ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - لعائشةَ في غَزواتِه وسَفراتِه فقد كانَ يَخرجُ بها عندما ي؟ أتي دورها، حيثُ كانَ يَعدِلُ بين زوجاتِه، ويخرجُ بمن هي على الدَّور!.
والفادي مجرمٌ وقح عندما قال عن الحادثة: " فتصبحُ سيرتُه وسيرتُها مضغةً في الأَفواه ".
ولقد كانتْ سيرةُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وسيرةُ عائشة أُمِّ المؤمنين - رضي الله عنها -، عنوانَ العِفَّةِ والطهرِ والفَضيلة، ولم يكنْ في حياتِه أَو حياتها ما يُريب، والذينَ تَحَدَّثوا عن عائشةَ واتهموها في عِفَّتِها هم المنافقون، ومَنْ تَأَثَّر بهم من مرضى القُلوب، أما المسلمونَ الصادقون فقد كَذَّبوا حديثَ الإِفك وقالوا: سبحانَك هذا بهتان عظيم.
واستغربَ الفادي الجاهلُ حديثَ سورةِ النورِ عن حديثِ الإِفكِ، في ثماني عشرةَ آية، وهذا دَليلُ جَهْلِه، فالقرآنُ كان يُرَبّي المسلمينَ بالأَحداث، ويَجعلُها مناسبةً لعَرْضِ وتقريرِ حقائقِه، وقد كانت الدروسُ والعِبَرُ والتوجيهاتُ من حادثةِ الإِفْكِ كثيرة، ولذلك تَحَدَّثَ عنها القرآنُ في ثماني عشرة آية.
وكان الفادي وَقحاً مُجْرِماً عندما قال: " أَلا يرى العاقِلُ أَنَّ محمداً شَحَنَ قرآنَه بشؤونه الخاصةِ وشؤونِ نسائه؟ ".
إِنه يؤكدُ أَنَّ القرآنَ كلامُ النبى - صلى الله عليه وسلم - وليس كلامَ الله، وأَنه كان يَضَعُ فيه ما شاء من الآياتِ التي أَلَّفها .
وهو يرى أَنَ القرآنَ مليءٌ بأخبار الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - الشخصية! وهذا دَليلُ جْهلهِ وغبائه.
إِنَّ اللافتَ للنظر أَنَّ حديث القرآنِ عن أَخبارِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - الشخصية قليل، وهذا دليلٌ على أَنَّ القرآنَ كَلامُ الله، ولو كانَ القرآنُ من تأليفِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لملأَهُ بالحديث عن شؤونهِ وسيرتهِ وحياتِه، وعن رحلاتِه وأَسفارِه، وعن مشاعرِه وهمومِهِ، وأحزانِه وأفراحه.
كما يفعلُ المؤلِّفون عندما يكتبُ أَحدهم سيرتَه الذاتية. لم يعرض القرآنُ من أخبارِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - إِلا ما جعلَه فرصةً لتقرير الدروس.
ويَتساءلُ الفادي بخبث: لماذا لم يُبرئ الوحيُ عائشة في الحال؟.
إِنَ تَأَخُّيرَ الوحي في إِعلان براءةِ وعِفَّةِ عائشة - رضي الله عنها - دليلٌ آخَرُ على أَنه كلامُ الله، فقد كانَ الموضوعُ خطيراً جداً، ويتعلَّقُ ببيتِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وشرفِه وعِفَّة وعرضِ امرأتِه، ولو كانَ القرآنُ من تأليفِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لسارعَ بإِعلانِ براءَتِها، وادَّعى إِنزالَ الآياتِ عليه!! لكنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - بقيَ ينتظرُ الوحيَ أَياماً عديدة، وهو لا يَعلمُ الغيب، والقضيةُ حساسةٌ تتفاعَلُ وتتحركُ وتنتشرُ بين الناس، والمسلمونَ ينتظرونَ البيانَ من الله، ويتأخَّر إِنزالُ الآياتِ لحِكْمَة، ليوَظَّفَ هذا دليلاً على أَنَّ القرآنَ من عندِ الله! !.