كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية (سادساً: بين الأمر بالصفح والأمر بالغلظة)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية (سادساً: بين الأمر بالصفح والأمر بالغلظة)
152 0

الوصف

                                                    الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية 

                                                (سادساً: بين الأمر بالصفح والأمر بالغلظة)

يَرى الفادي الجاهلُ أَنَّ قولَه تعالى: (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) ، يَتناقَضُ مع قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣)) .

ووجْهُ التناقضِ بينهما عندَه أَنَّ آيةَ سورةِ الحجرِ تأمُرُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالصفحِ الجميلِ عن الكفار، وآيةَ سورةِ التوبة تأمُرُه بالغلظةِ على الكفارِ والمنافقين وجهادِهم، وهذا إِلغاءٌ لآيةِ الحِجْر.

إِنَّ الأَمْرَ بالصفح لا يَتَنَاقَضُ مع الأَمْرِ بالجهاد، لأَنَّ الصفحَ عن صنفٍ من الكفار، والجهادَ لصنفٍ آخَرَ من الكفار.

الصفحُ عن كفارٍ مُسالمين، لا يَتآمرونَ على المسلمين، ولا يُحاربونَ دينَهم، فهؤلاء تَجبُ دعوتُهم للإِسلام، فإِنْ لم يُلَبّوا الدعوة، وأَصرّوا على كُفْرِهم، وانصرفوا إِلى أَنفسِهم، يَصفحُ عنهم المسلمون ويَتْرُكونَهم.

هذا ما تُقرر آيةُ سورةِ الحجر: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥)) .

وما تُقرره آيةُ سورةِ الزخرف: (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)) .

ثم إِنَّ الصفحَ عن الكفارِ كان في العهدِ المكي، حيثُ كانَ المؤمنون مأمورينَ بكَفّ أَيديهم، وعَدَم قتالِ الكفار، لكنْ بعدَ الهجرة أَذِنَ اللهُ لهم بالقتال، وأَمَرَهم بجهادِهم والغلظةِ عليهم.

فالأَمْرُ بالصفْح موقوتٌ بوقْت، وعندما يَنتهي ذلك الوقتُ، يأْتي الأَمْرُ بالجهاد.

وهذا صريحٌ في قوله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩)) .

فالعفوُ والصفحُ مستمرّان إِلى أَنْ يأتيَ اللهُ بأَمْرِه، فيأمرَ المسلمينَ بأَمْرٍ جَديد، وهو الجهادُ والقتال!.

أَما الأَمْرُ بجهادِ الكفارِ والمنافقين، والغِلظةِ عليهم فيه، فهذا مُوَجَّهٌ ضدَّ صنفٍ آخَرَ من المنافقينِ والكافرين، وهم أولئك الحاقدونَ المتآمرونَ على المسلمين، الذين يُحاربونَهم ويُهاجمونَ دينَهم.

وبذلك نجمعُ بين الأَمْرِ بالصفح والأَمْر بالغلظةِ في الجهاد، بأَنْ يُوَجَّهَ لُّ أَمْرٍ إِلى صنف، ذي صفاتٍ خاصة، تختلفُ عن صفاتِ الصنفِ الآخَر، وتَقييدِ أَحَدِ الأَمريْن بزمنٍ وعهدٍ خاصّ، فإِذا اختلفَ الزمانُ أَو المكانُ أَوالأَشخاصُ فلا تَناقُضَ بين الأَمْرِ بالصلحِ والأَمرِ بالجهاد!!.