كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل السابع نقض المطاعن الاجتماعية (هل يدعو القرآن إلى الكراهية؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل السابع نقض المطاعن الاجتماعية (هل يدعو القرآن إلى الكراهية؟)
165 0

الوصف

                                                    الفصل السابع نقض المطاعن الاجتماعية 

                                                       (هل يدعو القرآن إلى الكراهية؟)

وَقَفَ الفادي أَمامَ آيتَيْن، معتَرِضاً عليهما، لأَنَّهما تَدْعُوانِ في نظرِهِ إِلى كراهيةِ كُلِّ البَشَر، وهما قولُ اللهِ - عز وجل -: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) .

وقول الله - عز وجل -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣))

وسَجَّلَ المفترِي فريتَه الكبيرة قائلاً: " لَمّا كانَ محمدٌ بمكةَ كان يُسالِمُ جميعَ الناس، ويَحترم اليهودَ والنَّصارى والصابئين، ويَقولُ: إِنَّ لهم الجَنَّة انظر: سورة المائدة: الآية ٦٩،، ولكن لما اشْتَدَّ ساعِدُهُ في المدينةِ بالأَنْصار أَمَرَ بقَتْلِ جميعِ غيرِ المسلمين، أو يَدْفَعوا الجزية، أَوْ يَدْخُلوا الإِسلام، وهذا يَعْني الاقتصارَ على الأُخُوَّةِ الإِسلامية، وهَدْمَ أَركانِ الأُخُوَّةِ العَامَّة، وقَطْعَ أَواصِرِ المحبةِ وحُسْنِ المعاملةِ بينَ طَبَقاتِ البَشَر، وهكذا حَرَّمَ المسلمونَ الاستيطانَ في كُل بلادِ الحجازِ على كل غيرِ المسلمين ".

وفي هذا الكلامِ المفترى مجموعةٌ من المغالطات والأَكاذيب: 

١ - يَزعمُ المفترِي أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كان في مَكَّةَ يُسالمُ جَميعَ الناس، ويَحترمُ اليهودَ والنَّصارى والصابئين، ويَقولُ: إنَّ لهم الجَنَّة.

وهذا زَعْمٌ باطِل، فلم يكنْ في مكَّةَ وُجودٌ لليهودِ أَو النَّصارى أَو الصابئين. لأَنَّ أَهلَ مكةَ كانوا من قريشٍ والعرب، وكان فيها ثلاثةٌ أَو أَربعةٌ من النَّصارى، فكيفَ يزعُمُ الفادي المفترِي أَنه كان يحترمُ اليهودَ والنَّصارى

والصا بئين؟!.

ولم يكنْ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - مُسالماً للنّاسِ في مكة، إِنما كانَ داعيةً مُذَكِّراً مُبَلِّغاً للدين، يُنذرُهم من عذابِ الله، وكان مأموراً هو وأَتْباعُه المؤمنون بكَفِّ أَيديهم عن قتالِ المشركين لحِكَم كَثيرة.. لكِنَّه كانَ يعلمُ أَنه ستأتي مرحلةٌ جديدة، يكون فيها قِتالٌ ومُواجهة.

٢ - يَكْذِبُ المفترِي عندما يزعمُ أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخبرَ وهو في مكةَ أَنَّ اليهودَ والنَّصارى والصابئين في الجنة، وأَحالَ على قولِه تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)) .

إنَّ هذه الآيةَ مدنيّة، لأَنَّ سورة المائدةِ مدنية، وليستْ مكيهً كما ادَّعى المفتري!.

ثم إِنَّ الآيةَ لا تُخبرُ أَنَّ اليهودَ والنَّصَارى والصابئين في الجنة، إِنما تُخبرُ أَنَّ المؤمنين المسلمين المتَّبِعين لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - هم المؤمنون حقاً، وهم أَهلُ الجنة، أَمّا اليهودُ والنصارى والصابئون، فلا يُقْبَلُ إِيمانُ أَحَدٍ منهم، إِلّا إِذا آمَنَ باللهِ وعَمِلَ صالحاً وآمَنَ باليومِ الآخر، ولَنْ يتحقَّقَ ذلك إِلّا إِذَا آمَنَ بكل كُتُبِ الله، ومنها القرآنُ، وآمَنَ بكُلِّ رسلِ الله، ومنهم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، فإذا لم يُؤْمن اليهودي أو النصرانيُّ أَو الصابِئُ بالقرآنِ وبالرسولِ - صلى الله عليه وسلم - لم يَكُنْ مؤمِناً، ولم يكنْ من أَهْلِ الجنة، لأَنَّهُ فَرَّقَ بين رسلِ الله، فآمَنَ ببعضِهم وكَفَرَ بآخَرين، وهذا هو الكُفْرُ الصريح.

قالَ اللهُ - عز وجل -: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (١٥٢)) .

٣ - يَزعُمُ المفترِي أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لما هاجَرَ إِلى المدينةِ واشْتَدَّ ساعِدُه، وتَقَوّى بالأَنْصار، وزادَ عَدَدُ أَتْباعِه، غَيَّرَ أَفكارَه ونظرَتَه إِلى الآخرين، وتَخَلّى عن مسالمةِ الناس، وأَعلنَ الحرْبَ عليهم، وأَمَرَ بقَتْلِ كُلِّ مَنْ كانَ غيرَ مُسْلِم، إِذا لم يَدْفَع الجزية، وكانَ أَمامَهُ أَحَدُ خياراتٍ ثلاثة: الإِسلامُ أَو الجزيةُ أَو القِتال.

وهذا الزعْمُ والافتراءُ يعني أَنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - يُغَيِّرُ مبادِئَه وأَفكارَه من عنْدِه، ويُؤَلِّفُ القرآنَ من عِنْدِه، ويَضَعُ أَحكامَ الإِسلامِ من عنْدِه!.

إِنَّ اللهَ هو الذي أَمَرَ المسلمينَ في مكةَ بكَفّ أَيْديهم عن قتالِ المشركين، والصَّبْرِ على أَذاهم، وهو سبحانَه الذي فَتَحَ لهم بابَ الفَرَج في المدينة، ونَصَرَ دينَه بالأَنصارِ فيها، وهو الذي أَنزلَ السورَ المدنيّةَ وأَمَرَ فيها بقتالِ المعْتَدين، وَوَرَد هذا في سورِ البقرةِ وآل عمران والنساء والأنفال والتوبة ومحمد والصف وغيرها.

٤ - يَزعمُ المفْتَرِي أَنَّ القرآنَ بدعوتِه إِلى الأُخُوَّةِ الإِسلاميةِ بينَ المسلمين يَدْعو إِلى هَدْمِ أَركانِ الأُخُوة العامّة، وقَطْعِ أَوَاصرِ المحبةِ وحُسْنِ المعاملةِ بينَ الناس.

وهذا افتراءٌ منه على القرآن، فدعوةُ القرآنِ إلى تعميقِ وتوثيقِ الأُخوةِ الإِسلامية بين المسلمين لا تَعْني قَطْعَ الأُخُوَّةِ بين الناس، فاللهُ أَمَرَ المْسلِمين أَنْ يُوَثقوا صِلَتَهم بغيرهم، ويُحْسنوا معامَلَتَهم، ويُقدِّموا لهم الخير، واعتبرَ هذا من البِرِّ والإِحسان، يتقرَّبونَ به إلى الله - عز وجل - قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)) .

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)) .

أَما تحريمُ إِقامةِ غيرِ المسلمين في بلادِ الحجاز، فلأَنَّ الحجازَ والجزيرةَ العربية كلَّها صارَتْ دارَ إِسلام، وقد أَسلمَ أهْلُها جَميعاً في حياةِ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وبما أنهم مسلمونَ فإِنَّ مَنْ تَرَكَ الإِسلامَ منهم يكونُ مرتدّاً، والمرتَدُّ يُقْتَلُ إِنْ لم يَعُدْ للإِسلامِ، وغيرُ المسلمين من البلدانِ الأُخرى ليسوا من أَهْلِ الحجاز، فلماذا يُقيمونَ ويستَوْطِنون فِيها؟!.

لو طَرَدَ المسلمونَ أَحَدَ أَهلِ الحجازِ الأَصلِيِّين يمكنُ أَنْ يُلامُوا، لكنَّهم لا يُلامونَ على عَدَمِ السماحِ للمسلمِ بالردة، ولا على عدمِ السماحِ لابنِ غيرِ المنطقةِ الكافرِ بالإِقامةِ فيها.