كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية (حكم قتل المرتد)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية (حكم قتل المرتد)
128 0

الوصف

                                                    الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية 

                                                             (حكم قتل المرتد)

أَوردَ الفادي المفترِي آياتٍ تتحدَّثُ عن المرتدِّ عن الإِسلام؟ منها قولُه تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢١٧)) .

وأساءَ الفادي فهمَ قول اللهِ - عز وجل -: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٨٩)) 

فهمَ منها أَنها تحكمُ بالكفرِ على المؤمنين الذين تثاقلوا عن الهجرةِ إلى المدينة. قال: " والظاهرُ من سورة البقرة أَنَّ مَنْ يرتدّ عن الإِسلامِ إِلى أَيّ دينٍ آخَرَ يُعتبر كافراً. والظاهرُ من سورة النساءِ أَنَّ الذين أَظْهَروا الإِسلامَ ثم قعدوا عن الهجرة، أَوجبَ القرآنُ على المسلمين أَنْ يَقْتُلُوهم حيث وَجَدُوهم، كسائرِ الكَفَرَةِ، فَأَيْنَ حريةُ العقيدةِ والدين؟! إنها وصمةُ عارٍ أن يُقْتَلَ الذي يرى في الإسلامِ غيرَ الذي يرونه! "

إنَّ هذه الآيةَ من سورةِ النساءِ لا تَحكمُ بالكُفْر على مُسْلمين لأَنهم تَثَاقَلُوا عن الهجرة، ولا تَأْمُرُهم بالقتْلِ لمجردِ هذا السَّبَب، كما فهمَ الفادي منها هذا، وإِنما تتحدَّثُ عن مُنافقينَ كافِرينَ حقيقة، وكُفْرُهم ليسَ بسببِ عَدَم الهجرة، وإِنما كُفْرُهم بنفاقِهم، والمنافقون كُفّارٌ في الحقيقة، رغْمَ إِظهارِهم الإِسلام.

زقال تعالى: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (٨٨) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (٨٩)) . هم منافقونَ لقولِه: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ..) وهم كفارٌ حقيقةً لقوله: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)

وتَنهى الآياتُ المؤمنين عن اتخاذِ أولئك المنافقين الكافرين أَولياء، حتى يُهاجِروا في سبيلِ الله، ومعنى هجرتِهم في سبيل الله أَنْ يَدْخُلوا في الإِسلام أَوَّلاً، ثم يُهاجِروا بعدَ ذلك؛ لأَنَّ الهجرةَ مبنيةٌ على الإِسلام.

فإِنْ رَفَضوا الدخول في الإِسلام، ورَفَضوا الهجرةَ في سبيلِ الله، فعلى المسلمينَ أَنْ يَأخُذوهُم ويَقْتُلوهُم حيث وَجدوهم، والسببُ هو كفْرُهم ونفاقُهم وعداوتُهم للمسلمينَ وحربُهم لهم، وهذه جرائمُ استحقّوا بها القَتْل!!.

وتباكى الفادي على المُرْتَدِّين الذينَ حارَبَهم أَبو بكر الصديقُ - رضي الله عنه -، واعْتَبَرَهم مظلومين معتدى عليهم، قال: " أَينَ حريةُ العقيدةِ والدين؟ إِنها وصمةُ عارٍ أَنْ يُقْتَلَ الذي يَرى في الإِسلامِ غيرَ الذي يروْنَه

أَلَمْ يُلَطخْ أَبو بكر الصَّدّيقُ يَدَيْه بِدماءِ أُلوفِ المرتدين؟! ". كما تباكى على جَبَلَةَ بنِ الأَيْهم آخرِ مُلوكِ الغساسنة، الذي دَخَلَ في الإِسلامِ بعدَ فتحِ بلادِ الشام، ولم يكن إِسلامُه عن قَناعَة، ولما حَكَم عمرُ - رضي الله عنه - أَنْ يَقْتَصَّ منه ذلك الأَعرابيُّ الذي لَطَمَه أَثناءَ الطواف، اعتبرها جَبَلَةُ إِهانةً له، وهَرَبَ من المدينة إِلى بلادِ الروم مرتدّاً عن الإِسْلام، عائِداً إلى النصرانية!.

واعتراضُ الفادي المفترِي على قَتْلِ المرتَدّ لا يَتَّفِقُ مع موضوع كتابه، الذي خَصَّصَه لانتقادِ وتخطئةِ القرآن، وهذه المسألة مسألةٌ حديثية فقهية.

فالقرآنُ لم يتحدَّثْ عن قَتْلِ المرتَدِّ، والذي أَمَرَ بذلك هو رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وذلك في قوله: " لا يَحِلُّ دَمُ امرئ مسلمٍ إلّا بإِحْدى ثلاث: النفسُ بالنفس، والثَّيِّبُ الزَّاني، والتاركُ لدينهِ المفارقُ للجماعة ".

مَن الذي أَمَرَ الإِسلامُ بقَتْله؟ إِنه ليس الكافرَ أَصْلاً، المصِرَّ على كُفْرِه، ولكنه الكافرُ الذي دَخَلَ في الإِسلام، ثُمّ خَرَجَ منه وعادَ إِلى الكفر.

إِنَّ الردةَ دليلٌ على التلاعبِ بالعقيدةِ والإِيمان، والاستهزاءِ بالإِسلامِ والقرآن، والكيدِ ضدَّ المسلمين. إِنَّ المرتَدَّ يُعْلِنُ بردَّتِه خطأَ الإِسلامِ وبُطلانَه، وهو بردَّتِه يَدعو المسلمين إِلى الاقتداءِ به، والارتدادِ عن الإِسلام مِثْله!.

والإِسلامُ حَقٌّ وصَواب، ودعوةٌ للعالَمين جميعاً، والمرتَدُّ عن الإِسلام محاربٌ له بردَّتِه، وصادٌّ عنه، وهذه الجرائمُ استحَقَّ بها القَتْل.

والمرتَدُّ لا يُقْتَلُ فوراً، إِنما يُناقَشُ أَوَّلاً، وتُزالُ الشبهاتُ التي عنده، وتُقَدمُ له الحججُ والبراهينُ على الحَقّ، وَيُدْعى للعودةِ إلى الإِسلامِ، كل ذلك بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة، فإِنْ رَفَضَ هذا المنطقَ العقلانيَّ الدعوي، وأَصَرَّ

على ارتدادِه وكُفْرِه، فيكون هذا من بابِ العِنادِ والاستكبار، ولا يَعتمدُ على دَليلٍ عقلي مُقْنِعٍ، لأَنَّ الإِسلامَ حَقٌّ يتوافَقُ مع الفطرةِ والمنطقِ والعقلِ السَّليم، وليس فيه ما يَتَصادَمُ أَو يتناقَضُ مع المنطق.

عند ذلك يكونُ ارتدادُه تَلاعُباً وكيداً وحَرْباً للإسلام، ويكونُ جزَاؤُه القتل. إِنَّ حريةَ العقيدةِ والدين التي يَتَباكى عليها الفادي المفترِي ليستْ مع هذا المرتَدِّ عن الإِسلام، إِنما هي معَ الكافِر، الذي لم يَدْخُلْ في الإِسلام أصْلاً -، فهذا يُدعى للدُّخولِ في الإِسلام بالمنطقِ والحجةِ والبرهانِ، فإن اقتنعَ واعتنقَ الإِسلامَ يكونُ قد فازَ في الدنيا والآخرة، وإِنْ رَفَضَ الدعوةَ وأَصرَّ على كفرِه تركَه المسلمون وشأنَه، من بابِ حريةِ العقيدةِ والدين التي يُنادي بها الفادي، ولا يُجْبِرونَه على الدخولِ في الإِسلام، لأَنَ اللهَ يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) معَ اليقينِ بأَنَّ هذا الذي رفضَ الدخولَ في الإسلام كافرٌ ضالّ خاسِرٌ، فاسقٌ ظالم مجرم، ليس على هدى أو إِيمانٍ أو حق، وهو في الآخرةِ مخلَّدٌ في نارِ جهنم.