كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية (هل انتشر الإسلام بالسيف؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية (هل انتشر الإسلام بالسيف؟)
149 0

الوصف

                                                    الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية 

                                                         (هل انتشر الإسلام بالسيف؟)

ذَكَرَ المفترِي قولَ اللهِ - عز وجل -: (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦)) .

ونَقَلَ كلاماً من تفسيرِ البيِضاويِّ في تفسيرِ الآية، وَوَقَفَ أَمامَ جملةِ : (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) ، ونَقَل تفسيرَ البيضاويِّ لها: " أَيْ: يكونُ أَحَدُ الأَمْرين: إِمّا الإِسلامُ أو المقاتَلَة، لا غير.. ومَنْ عَداهُمْ يقاتَلُ حتى يُسلمَ أَو يعطيَ الجزية.(فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا) هو الغنيمةُ في الدنيا، والجنةُ في الآخرة "

أَيْ أَنَّ المشركين في بلادِ العرب يُقاتَلون، ولا يَتوقَّفُ قتالُهم إلَّا بإسْلامهم.. أَمّا أَهلُ الكتابِ من اليهودِ والنصارى فأَمامَهم خياران: إِمّا الإِسلامُ وإِما دَفْعُ الجزية، وهو ما دَلَّ عليه قولُه تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)) .

واعترضَ الفادي المفْتَري على هذه الدعوةِ القرآنية، واعتَبَرَها دَليلاً على انتشارِ الإِسلامِ بالسيف. قال: " ونحنُ نسأَلُ: هل يقومُ دينٌ صادِق إِلّا على الحُجةِ والبُرهان، لا على الإرهابِ والاستبداد؟ وإنْ كانتِ الآيات ُ المكيةُ تَحُضُّ على السِّلْم، والآياتُ المدنيةُ تحضُّ على القتال، فأَيُّ آياتٍ منها أَرسخُ وأَثبتُ؟ وأَيُّها أَنسبُ من حيثُ الإيمانُ والثواب؟. إنَّ الإِرهابَ يَدْفَعُ للنفاق.

قالَ الشاعر: أَسْلَمَ الكافِرونَ بِالسيْفِ قَهْراً ... وإذا ما خَلَوَا فَهُمْ مُجْرِمونَ سَلِموا مِنْ رَواحِ مالٍ وَروحٍ ... فَلَا هُمْ سالِمونَ ولا مُسْلِمونَ يَزعمُ المفترِي وُجودَ تَعارضٍ بينَ الآياتِ المدنيةِ والآياتِ المكيَّة، 

فالآياتُ المكيةُ تحضُّ على السّلْم، والآياتُ المدنيةُ تحضُّ على القِتال " فأَيُّها أَصْدقُ؟ وأَيُّها يُتَّبَعُ"؟ وهذا زَعْمٌ باطل، فالآياتُ المكيةُ سَكَتَتْ عن قِتالِ الكفار، فكانَ قِتالُهم من الأمرِ المؤَجَّل، الذي لم يَحِنْ وَقْتُ الحديثِ عنه، وليس معنى هذا أَنَّ الآياتِ المكيةَ كانتْ تَنْهى عن القِتال، وتحضُّ على السَّلام.وبعدما أَقامَ المسلمونَ مجتمعَهم الإِسلاميَّ بعد الهِجرة، واعتَدى عليهم الكافرون، أَذِنَ اللهُ لهم بالقِتال، وأمرهم به، وحَثَّهُم عليه.

وأشارَت الآيات ُ المدنيّةُ إِلى ما كانَ عليه المسلمونَ في مكة. قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) . ويَقومُ سؤالُ الفادي على المغالطةِ والاتِّهام: " هل يقومُ دينٌ صادقٌ إلّا على الحُجَّةِ والبُرهان، لا على الإرهاب والاستبداد؟ "..

ومن المتفقِ عليه أَنَّ أَيَّ دينٍ لا يَقومُ إلّا على الحُجةِ والبرهان. والإِسلامُ دينٌ يخاطبُ العقلَ والقلبَ والروح، ويقدمُ للناسِ حقائِقَه بالحُجَّةِ والبرهان، والدليلِ المقنعِ الذي يُخاطبُ العقل. وانتشرَ الإسلامُ في العالمِ بالدعوةِ وليسَ بالسيفِ، وقامَ على الحُجَّةِ والبرهان، وخاطَبَ الدعاةُ الناسَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة، ودَخَلَتْ بِلادٌ واسعةٌ في الإِسلام. 

لم تحدثْ فيها معركةٌ واحدة، مثلُ أندونيسيا وماليزيا.. ولو انتشرَ الإِسلامُ بالسيف، وأَسَلمَ الناسُ مُكْرَهين، لارتَدّوا عن الإِسلام عندما ضَعُفَ سلطانُ المسلمينَ السياسي، وتَقلَّصَ نفوذُ الإِسلامِ من عندما ضَعُفَ سلطانُ المسلمينَ السياسي، وتَقلَّصَ نفوذُ الإِسلامِ من المجتمعات. وها هو الإِسلامُ يَكتسبُ عُقولاً وقُلوباً جديدةً في العالمِ الغربي، ويُسلمُ أُناسٌ من قادةِ الفكْرِ والرأيِ والعلمِ والمعرفةِ عندهم، مع أنه لا يوجَدُ 

للإِسلامِ دولةٌ تَتَبَنّاهُ بصدْق، وتَدعو إليه بإِخلاص، ومع اشتدادِ الهجمةِ الشرسة عليه من قِبَلِ قُوى البغيِ والعدوان، بقيادَةِ اليهوديةِ الخبيثةِ والصليبيةِ الحاقدة، فلو لم يُقَدِّمْ حقائِقَه بالحجةِ والبرهانِ لما أَثَّرَ في النّاس!.

والإِسلامُ لا يَقومُ على الإِرهابِ والاستبداد، ولم ينتشرْ بالسيفِ والعُنْفِ والإِكراه. وقد صَرَّحَ القرآنُ بعدمِ الإِكراهِ على اعتناقِ الإِسلام.

قال تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) . ولم يكن القتال وسيلةً للدعوةِ إِلى الإِسلام ونَشْرِه بينَ الناس، إِنما القتالُ وسيلةٌ لردِّ عُدْوانِ الكافِرين على الإِسلامِ والمسلمين، ورَدِّ عُدوانِهم على بلادِ المسلمين، ورَدِّ عدوانِهم على الدعاةِ المسلمين المنتشرين بين الشعوب، يَدْعونَ إِلى الإِسلامِ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة!. 

إِنَّ القتالَ في الإِسلامِ قِتالٌ للقوةِ الماديةِ الكافرة، التي تَقِفُ أَمامَ دينِ الله. ولم يكنْ هدفُ القِتالِ إِدخالَ الناسِ بالإِسلامِ مُكْرَهِين، كما يَزعمُ الفادي المفترِي، إنما هَدَفُ القتالِ تَحطِيمُ قُوةِ الكفارِ العسكرية، المتمثلةِ في الجيشِ والأَسلحةِ والعَتاد! هَدَفُه إِزالةُ النظامِ الكافر، الذي يُحارِبُ بكل مؤسساتِه الإِسلامَ، ويَمنعُ شَعْبَه من اعتناقِ الإِسلام عن بصيرة! هَدَفُه تَحريرُالشعوبِ الكافرةِ المستعْبَدَةِ من قِبَلِ الحكامِ الطواغيت. وبعدَما يُحققُ القتالُ هَدَفَه ويُحَطِّمُ القوةَ الماديةَ العسكريةَ، ويُحررُ الشعوبَ المستعْبَدَة، يُقَدِّمُ الإِسلامُ نَفْسَهُ إِلى هؤلاءِ المحَرَّرين، ويُخاطبُهم بالحجةِ والبرهان ويَدعوهم إِلى الدخولِ فيه عن قَناعةٍ واختيار.. فمن اقتنعَ ودَخَلَ فيه فقد فازَ في الدنيا والآخرة، ومن رَفَضَ ذلك وأَصَرَّ على كفرِه تَرَكَهُ المسلمون، وطالَبوه بدفعِ مبلغٍ من المال، اسْمُه " الجزية "، مُقابِلَ حمايتِهم له.