كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية ( من الدي حدد وقت الحج؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية ( من الدي حدد وقت الحج؟)
112 0

الوصف

                                                   الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية

                                                      ( من الدي حدد وقت الحج؟)

ذَهَبَ الفادي المفترِي إِلى أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - هو الذي حَدَّدَ وَقْتَ الحَجّ، وأَنه في شهرِ ذي الحِجَّة! قالَ في افترائه: " كانَ بعضُ أَهْلِ الجاهليةِ يَقفُ بعَرَفَة، وبعضهم بمزدَلِفة، وكان يَحُجُّ بعضهم في ذي القعدة، وبعضهم في ذي الحِجّة! وكلٌّ يَقول: الصوابُ فيما فَعَلْتُه! فقال محمد: لا شكَّ أَنَّ الحَجَّ في ذي الحِجّة ".

ولا يَعْنينا اختلافُ القبائلِ العربيةِ الجاهليةِ في وَقْتِ الحَجِّ ومكانِه، فقد كانوا في الجاهلية يَخْتَلفون في كُلِّ شيء.

إنما يَعنينا تقريرُ حقيقةٍ إسلاميةٍ تشريعية، وهي أَنَّ اللهَ هو صاحبُ الحكْمِ والتشريع! فالأَوامرُ والتَّشريعاتُ من عند الله، أَمَرَ بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يَشْرَعْها ويَبْتَدِعْها رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم.

إِنَّ اللهَ هو الذي حَدَّدَ مكانَ الحَجِّ وزَمانَه وأفعالَه. وكان الفادي كاذِباً مفترياً عندما زَعَمَ أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - هو الذي فَعَلَ ذلك! قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) .

واللهُ هو الذي شَرَعَ الحَجَّ منذُ أَيامِ إِبراهيمَ - عليه السلام -. قال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧)) .

وكم كانَ الفادي مُفْتَرياً ومُجْرِماً عندما قال: " ونحنُ نَسْأَلُ: أَليسَ هذا ْالقولُ هو من الأَدِلَّةِ على أَنَّ ديانَتَه هي من مُشْركي العرب؟ "

وهذا الذي يُريدُ المجرمُ أَنْ يَصلَ إِليه، فهو يَرى أَنَّ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - ليس رسولَ الله، وأَنَّ القرآنَ ليس كلامَ الله، وأنَّ الإِسلامَ ليس دينَ الله، وإِنما أَخَذَهُ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - من المشركين الذينَ حولَه!. وقد كانَ القرآنُ واضحاً صَريحاً في تَقْريرِ حقيقةِ أَنَّ الإِسلامَ هو الدينُ الذي ارْتَضاهُ اللهُ لنا، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) .

واعترضَ الفادي على الأَمْرِ بالتزوُّدِ للحَجِّ، فقال: " إِنَ باقي الآيةِ يَقول: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) .

وسببُ هذا أَنَّ أُناساً من أَهْلِ اليمن كانوا يَخْرُجون للحَح من غيرِ زادِ، ويقولون: نحن متوكِّلون. ويقولون: نحنُ نحجُّ بيتَ رَبّنا أفلا يُطْعِمُنا؟! فإذا قَدِموا مكةَ تَسَوَّلوا طَعامَهم، وربما أَفْضى بهم الحال إِلى السَّلْبِ والنَهْب، فقال لهم محمد: " فتزودوا ". وهو أَمْرٌ بَدَهي، ليس فيه شيءٌ فوق مستوى العقل، حتى يَحتاجَ إِلى وَحْي..".

إِنَه يَرى أَنَّ التزوُّدَ بالزادِ للحَجِّ أَمْرٌ بَدَهِيٌّ عاديّ، يَفعلُه كُلُّ إِنسانٍ يُريدُ السَّفَر، ولا يَحتاجُ إِلى تَدَخُّلِ الوَحْي.

وهو يُخطئُ في النظرِ إِلى الوَحْي، عندما يَظُن أَنَ الوحْيَ لا يتدَخَّلُ إِلّا في الأُمورِ الصعبة، التي هي فوقَ مستوى العقل!.

لقد عَرَفْنا من تَنَزُّل القرآن وأَسبابِ نزول بَعْضِ آياتِه، أَنَّ كَثيراً من آياتِ القرآنِ كانت تنزل ابتداءً، بدونِ حادثةٍ أَو سَبَب، ولا تَتحدَّثُ عن أُمورٍ فوقَ مستوى العَقْل، إِنما تتحدَّثُ عن أُمورٍ عادِيةٍ حياتيةٍ خَبَرِيةٍ عملية. 

وما نَزَل من الآياتِ على أَسبابٍ خاصة لم تكن تلكَ الأَسبابُ أو الحوادثُ فوقَ مستوى العَقْل، وإِنما كانت أَسْباباً مألوفةً عاديةً في حياةِ المسلمين.

ثم إِنَّ قولَه تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) نَزَل لِيُصَوِّبَ ويُصحِّحَ نظرةَ بعضِ المسلمين في التوكلِ على الله، فقد كانَ بعضُ أَهْلِ اليمنِ يأتونَ للحج، وليس معهم شيءٌ من الزاد، ويقولون: نحنُ متوكّلونَ على الله، ونحنُ ضُيوفُ الله وحُجّاجُ بيتِه، ومن غير المعقول أَنْ يَتَخَلّى اللهُ عَنا وأَنْ لا يَرْزُقَنا!.

فكانَ إنزال هذه الجملة من الآيةِ لِتصحيحِ هذه النظرة، وإِبطال ما فيها من خَطَأ، وهَدَفت الآية ُ إلى أَنَّ التوكُّلَ على اللهِ لا يَعني عدمَ الأَخْذِ بالأَسْباب، بل إِنه يوجِبُ على المتوكلِ الأَخْذَ بالأَسباب.

فقُدومُ الحُجّاجِ إِلى الحَج متوكّلينَ على اللهِ يوجِبُ عليهم التزوُّدَ بالزادِ المادي والزادِ المعنويّ الذي هو التقوى!.

ومن حِقْدِ الفادي وكُرْهِه وبُغْضه لرسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وحربِه للقرآنِ والإسلام، أَنه كانَ حَريصاً على عدمِ الإخبارِ بأَنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ، والتأكيدِ على أَنه كلامُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ويَبدُو هذا في قولِه: فقال لهم محمد: (وَتَزَوَّدُوا) فهذه الكلمةُ في الآية، لكنَّ المفترِي جَعَلَها من كلامِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم.