كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (حكمة إفراد الضمير العائد على المثنى)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (حكمة إفراد الضمير العائد على المثنى)
119 0

الوصف

                                                   الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية

                                                  (حكمة إفراد الضمير العائد على المثنى)

اعترضَ الفادي على عودةِ ضميرٍ مفردٍ على اثْنَيْن مذكورَيْنِ قَبْلَه.

قال:جاء في سورة التوبة: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ، فلماذا لم يُثَنِّ الضميرَ العائِدَ على الاثنَيْن، اسمِ الجلالةِ ورسوله، فيقول: " أنْ يُرْضوهما ".

تَذُمُّ الآيةُ المنافقين " لأَنَّهم يَحْرِصونَ على إرضاءِ المسلمين، فيحْلفونَ لهم الأَيْمانَ يَتَبَرَّؤُوُنَ فيها من أَقوالٍ قالوها، وهم يَكْذِبونَ في تلك الأَيْمان، فترشدُهم الآيةُ إِلى أَنه كانَ الأَوْلى بهم أَن يَحْرِصوا على إِرضاءِ اللهِ ورسولِه.

لفظُ الجلالةِ (اللَّهُ) مبتدأ. و (رَسُولُهُ) معطوفٌ عليه مرفوع. وأَفعلُ التفضيل: (أَحَقُّ) خبرٌ مرفوع. والمفَضلُ عليه محذوف، والتقديرُ: منكم.

أيْ: اللهُ ورسولُه أَحَقُّ منكم أَنْ يُرْضوهُما. والمصدرُ المؤَوَّلُ من (أَنْ يُرْضُوهُ) في مَحَلِّ رَفْعِ بَدَلٍ من المبتدأ والمعطوفِ عليه. والتقديرُ: إِرضاءُ اللهِ ورسولِه أَحَقُّ من إِرْضائِكم!.

ويُخَطِّئُ الفادي الآيَةَ لأَنَّ الضميرَ المفْرَدَ " الهاء " في (يُرْضُوهُ) عادَ على الاثنَيْن: اللهُ ورسولُه.

والأَوْلى عندَه أَنْ يَجيءَ الضميرُ مُثَنّى: " أَنْ يُرْضوهُما ".

أَيْ: اللهُ ورسولُه أَحَقُّ أَنْ يُرْضوهُما. وكلامُه مَرْدود، وهو دَليلُ جَهْلِه بقواعِدِ اللغةِ العربية، وأَساليبِ البيانِ فيها.

فالهاءُ في (يُرْضُوهُ) لا يعود على (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ) معاً، وإِنما يَعودُ على لفظِ الجلالةِ (اللَّهُ) أَوَّلاً، لأَنَّه أَوَّلُ المذكورَيْن، ثم يَعودُ على (ورَسُولُه) بعدَ ذلك.

على أَنَّ العَطْفَ في (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ) ليسَ من عَطْفِ الكلمات، وإِنما من عَطْفِ الجُمَل! وهذا هو الأَرْوَع والأَبْلَغ!.

إِنَّ جملةَ (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) جُملَتان في الحقيقة، والتقدير:اللهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضوهُ، ورسولُه أَحَقُّ أَنْ يُرْضوهُ.

ولذلك عَبَّر بالضميرِ المفرد (يُرْضُوهُ) ليعودَ على كُلِّ جملةٍ على حِدَة!!.

وهناكَ حِكْمَةٌ أُخْرى للتعبيرِ بالضميرِ المفرد (يُرْضُوهُ) ، وهي الإِشارَةُ إِلى التفرقةِ بين الإِرضاءَيْن: إِرضاء اللهِ وإِرضاء رسولِه! فإِرضاءُ اللهِ هو الأَساس، وإِرضاءُ الرسولِ متفرِّعٌ عنه وتابعٌ له.

ومن غيرِ المناسبِ التعبيرُ بالضميرِ المثَنْى، العائد على اللهِ ورسولِه، لأَنه يَجمعُ بين الخالقِ والمخلوقِ بضمير تثنيةٍ واحد، وهذا لا يَليقُ بتوحيدِ اللهِ - عز وجل -، ولذلك كانَ التقدير: اللهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضوهُ، والرَّسولُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضوهُ.

وقد سمعَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خطيباً يقول: " مَنْ يُطعِ اللهَ ورسولَه فقد رَشَد، ومَنْ يَعْصهِما فقد غَوى! " فغضبَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْه وخاطَبَه قَائِلاً: " بئسَ خَطِيبُ القومِ أَنتَ.

وَيْحَك، أَجَعَلْتَني للهِ نِدّاً؟ قُلْ: ومَنْ يَعْص اللهَ ورسولَه فقد غَوى!! ".

فالرسولُ - صلى الله عليه وسلم - اعترضَ على الخطيبِ عندما عَبَّرَ عن اللهِ ورسولِه بضميرِ التثنية، ودعاهُ إلى التعبير بالاسمِ الظاهرِ لكُلٍّ منهما.

وهذا معنى ذَوقيّ توحيدي، لا يَعرفُه الفادي، الذي تَقومُ عقيدتُه على المزْج بين الأُلوهيةِ والعبوديةِ في مبدأ التثليث، ولذلك دَعا القرآنُ إِلى التعبيرِ بضميرِ التثنيةِ الجامعِ بين اللهِ ورسولِه!!.