كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (حول تذكير خبر الاسم المؤنث)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (حول تذكير خبر الاسم المؤنث)
129 0

الوصف

                                                   الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية 

                                                    (حول تذكير خبر الاسم المؤنث)

اعترضَ الفادي الجاهلُ على قولِ اللهِ - عز وجل -: (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧)) .

وقال في اعتراضِه: " لماذا لم يُتْبعْ خَبَرَ " لَعَلَّ " اسْمَها في التأنيث؟ ولماذا لم يَقُلْ: " قَريبة "؟ ".

(السَّاعَةَ) مُؤَنَّثَة، وهي في الآية: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) اسمُ " لَعَلَّ " منصوب.

و: (قَرِيبٌ) : خَبَرُ " لَعَلَّ " مرفوع. 

والإِشكالُ عند الفادي في تَذكير الخبرِ (قَرِيبٌ) مع أَنَّ الاسْمَ (السَّاعَةَ) مُؤَنَّث، ولا يَجوزُ أَنْ نَقولَ: الساعَةُ قَريب، وإِنما نقولُ: الساعةُ قَريبة، ولذلك أَخْطَأَ القرآنُ - في زَعْمِه - لإِخبارِه عن المَؤنَّثِ بالمذكَّر!.

وفي توجيهِ هذا قولان:

 الأَول(قَرِيبٌ) في الجملة: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) ليسَ خَبَرَ " لَعَلَّ "، ومن ثم ليس إِخْباراً عن الاسمِ المؤَنَّثِ (السَّاعَةَ) .

وإِنما هو خَبَرٌ لمبتدأ محذوف، تقديرُه: موعد. فتكونُ جملةً اسميةً من مبتدأ وخبر: موعِدُها قريبِ.

وهذه الجملةُ الاسميةُ في محلِّ رَفْع خَبَرِ " لعلَّ ". فيكونُ السياقُ هكذا: وما يدريكَ لَعَلَّ الساعةَ موعِدُها قريب.

الثاني: (قَرِيبٌ) في القرآنِ وَصْفٌ لم يَأتِ إِلَّا مُذَكَّراً، فهو وَصْفٌ على وَزْنِ " فعيل "، لكنَّه بمعنى " فاعِل ": أَيْ: قارِب.

ولذلك جاءَ مُذَكَّراً، سواءٌ كانَ المخبَرُ عنه مُذَكَّراً أَو مُؤَنَّثاً. ولم تَأتِ صفةُ " قريبة " المؤنثةُ في القرآن.

ومن مجيئِه وَصْفاً لمذَكَّرٍ في القرآن قولُه تعالى: (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)) .

أَيْ: أَلّا إِنَّ نَصْرَ اللهِ موعدُه قريب. ومن ذلك أَيضاً قولُه تعالى: (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (٥١)) .

ومن مجيئِه وَصْفاً لمؤَنَّث، على تقديرِ كلمةٍ محذوفةٍ قولُه تعالى: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (٦٣)) .

أَيْ: يكونُ موعدُها قريباً. ومن ذلك أَيضاً قولُه تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)) .

ويمكنُ الجمعُ بين القولينِ بأَنَّه بما أَنَّ (قَرِيبٌ) لم يأْتِ إِلَّا مُذَكَّراً في القرآن. فهو صفة لموصوفٍ مذكَّرٍ محذوف، هو " موعِد ".

أي: موعدُه قريب. ولكنَّ الفادي الجاهلَ لا يَعرفُ أُسلوبَ القرآن، ولا مظاهرَ التعجيرِ فيه.