كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (حكمة حذف جواب الشرط)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (حكمة حذف جواب الشرط)
128 0

الوصف

                                                     الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية

                                                        (حكمة حذف جواب الشرط)

اعترضَ الفادي على صياغةِ قولِه تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥)) .

وتساءَلَ عن جوابِ " لَمّا " وقال: " أَينَ جوابُ لَمّا؟ ولو حَذَفَ الواوَ التي قبلَ (وَأَوْحَيْنَا) لاستقام المعنى ".

اعتراضُه على حَذْفِ جوابِ " لَمّا ". واقترحَ على القرآنِ حَذْفَ الواوِ من جملةِ (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ) ، لتكونَ هي جوابَ الشرط، فيكونَ التقديرُ: فلما ذهبوا به وأَجْمَعوا أَنْ يَجْعَلوهُ فِي غيابةِ الجُبِّ أَوحينا إِليه!!.

واعتراضُه متهافت، والأَفصحُ والأَبلغُ حذفُ جوابِ الشَّرْط إِنَّ " لَمّا " ظَرْفُ زمان للماضي، يتضمَّنُ مَعْنى الشرط.

وجملةُ (ذَهَبُواْ بِهِ) فعلُ الشرط. وجملةُ (وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ) معطوفة عليها.

وجوابُ الشرطِ محذوف، تقديرُه: جَعَلوهُ في غيابةِ الجُبِّ. وجملةُ (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) استئنافية، ولا تَصْلُحُ أَنْ تكونَ جوابَ الشرط.

فيكون معنى الآية: لما ذَهَبَ الإِخوةُ بأَخيهم الصغيرِ يوسف، وأَجْمَعوا على التخلُّصِ منه، نَفَّذوا ما أَجْمَعوا عليه، وَوَضَعوه في غيابة الجب.

ولما استقَرَّ الصغيرُ يوسفُ في غيابةِ الجُبِّ واسَيْناهُ وطَمْأَنّاه، وأَوحينا إليه بأنه سيتجاوزُ تلك المحنة، ويكونُ في وضعٍ مُريح، حيثُ سَيُنَبِّئُهم بأَمرهم هذا وهم لا يشعرونَ به، ولا يتوقَّعونَ أَنْ يكونَ هو.

وقد يكونُ من البلاغةِ ذِكْرُ جوابِ الشرطِ في الجملة، ولكنَّه قد يكونُ حَذْفُ جوابِ الشرطِ أحياناً هو الأَفصحَ والأَبلغَ.

وبهذا يكونُ اعتراضُ الفادي على حَذْفِ جواب الشرط دليلَ جهلِه وغبائِه. توهم الاضطراب بسبب عودة الضمائر 

اعترضَ الفادي على قولِ اللهِ - عز وجل -: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٩)) .

ولْنقرأْ ما سَجَّلَه في اعتراضِه وانتقادِه وتخطئتِه. قال: " وهُنا نَرى اضطراباً في المعنى، بسببِ الالتفات، من خِطابِ محمدٍ إِلى خطابِ غيره.

ولأَنَّ الضميرَ المنصوبَ في قولِه: (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) عائدٌ على الرسولِ المذكورِ آخِراً، وفي قوله: (وَتُسَبِّحُوهُ) عائدٌ على اسمِ الجَلالةِ المذكورِ أَوَّلاً.

هذا ما يَقتضيهِ المعْنى، وليسَ في اللفظ ما يُعَيِّنُهُ تَعييناً يُزيلُ اللَّبْس. فإِنْ كَانَ القولُ: (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) عائداً على الرسولِ يكونُ كُفْراً؟ لأَنَّ التَّسبيحَ لله فقط.

وإِنْ كانَ القولُ: (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) عائداً على اللهِ يَكونُ كُفْراً؟ لأَنَّه تعالى لا يَحتاجُ لمنْ يُعَزِّرُهُ ويُقَوِّيه.. ".

المشكلةُ عند الفادي في عودةِ الضمائرِ في الأَفعالِ الثلاثة: (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) ، لأَنَّ الضمائرَ في الأَفعالِ الثلاثةِ لا بُدَّ أَنْ تَعودَ على واحِد، إِمّا اللهُ وإِمّا رسولُه، المذكوران في: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ... )

فإنْ عادت الضمائرُ الثلاثةُ على الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ القرآنُ مُخْطِئاً، لأَنَه يَدعو المؤمنينَ إِلى تسبيحِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، وتَسبيحُ البَشَرِ كُفْر. وإِنْ عادت الضمائرُ الثلاثةُ على اللهِ كانَ القرآنُ مُخْطِئاً، لأَنه يَدعو إِلى تعزيرِ الله وتوقيرهِ، وهذا كُفْرٌ، لأَنَه يدلُّ على أَنَّ الله يَحتاجُ إِلى تعزيرٍ وتَوقيرٍ واحْتِرام!.

وقبلَ حَلِّ المشكلة نَقول: إِنَّ تَعزيرَ اللهِ وتَوقيرَه سبحانه ليسَ كفراً " لأَنَّ التعزيرَ مَعْناهُ النَّصْرُ والتأييد، والتوقيرَ مَعْناهُ التعظيمُ والإِجلال، وهل نَصرُ الله وتَأييدُه كُفْر؟

وهل تَعظيمُ اللهِ وإِجلالُه كُفْر؟!. لقد دَعا اللهُ المؤمنين إِلى نَصرَه، ورَبطَ نَصرَهُ لهم بنصرِهم له، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (٧)) .

فهل معنى هذا أَنَّ اللهَ ضَعيفٌ يَحتاجُ إِلى مَنْ يَنصُرُه؟ حاشَ لله.

وهكذا نَفهمُ تَعزيرَ اللهِ وتأييدَه، فهو لا يَحتاجُ إِلى تعزيرِ وتَأييدِ أَحَد، والإِنسانُ هو المستفيدُ عندما يُعَزِّرُ اللهَ ويُؤَيِّدُه ويَنصرُه.

ولقد ذَمَّ اللهُ الكفارَ الذين لم يَقْدُروهُ حَق قَدْرِه.

قال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) .

وأَنكرَ نوحٌ - عليه السلام - على قومِه الكافرين عَدَمَ توقيرِ اللهِ. قال تعالى: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (١٤)) .

وهذا مَعناهُ أَنَّ توقيرَ اللهِ وتعظيمَه وإِجلالَه واجب. بعد هذا البيانِ نَقول: للعلماءِ قولان في مَنْ عادَتْ عليه الضَّمائِرُ الثلاثة: القولُ الاوَّلُ: عادَ الضميرُ الأَوَّل والثاني على الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - (تُعَزِّوهُ وَتُوَقِّرُوُه) . بمعنى نَصْرِه واحترامِه وتوقيرِه وتَقديره. 

أَمّا الضميرُ الثالث: (وَتُسَبِّحُوهُ) فإِنَّهُ يَعودُ على الله، لأَنَّ التسبيحَ لا يَكونُ إِلّا لله. فتكونُ الواوُ في (وَتُسَبِّحُوهُ) حرفَ استئناف وليستْ حَرْفَ عَطْف " لأَنَّ (وَتُسَبِّحُوهُ) ليسَ مَعْطوفاً على (وَتُوَقِّرُوُه) ، فالتَّعزيرُ والتوقيرُ للرسولِ - صلى الله عليه وسلم.

أَمَّا التَّسبيحُ فإِنَّه لله. القولُ الثاني: الضمائرُ الثلاثةُ تَعودُ على الله: (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) ، والأَفعالُ الثلاثةُ معطوفةٌ على (لتُؤْمِنُواْ) .

ويكونُ المعْنى دعوةً إِلى الإِيمانِ بالله، وتَعْزيرِه، وتَوقيرِه، وتَسبيحه. والراجحُ هو القولُ الثاني، فنحنُ مأمورونَ بالإِيمانِ بالله وتعزيرِه وتوقيرِه وتسبيحِه، على المعْنى الذي ذَكَرْناهُ في التعزيرِ والتوقير.

وبهذا يكونُ الفادي جاهلاً عندما ادَّعى اضطرابَ معنى الآية، وخَطَّأَ تَركيبَها وعودةَ ضمائرِها، وكان جاهلاً عندما ادَّعى أَنَّ توقيرَ اللهِ وتَعْزيرَه كفْر!!.