كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (حكمة وضع المضارع بدل الماضي)
الوصف
الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية
(حكمة وضع المضارع بدل الماضي)
اعترضَ الفادي على قولِ اللهِ تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)) .
قالَ في اعتراضه: "كانَ يَجِبُ أَنْ يُعتبرَ المقامُ الذي يَقْتَضي صيغةَ الماضي لا المضارع، فيقول: ثم قالَ له: كُنْ، فكان ".
الكلامُ في الجملةِ عن خَلْقِ أَبي البشر آدمَ - عليه السلام -، فاللهُ خَلَقَه بكلمتِه التكوينية، ولَمّا سَوّاهُ من تُراب، قالَ له: (كُنْ) ، فكان، وصارَ إنساناً حَيًّا.
و (كُنْ) فعْلُ أَمْرٍ تامّ، يَحتاجُ إِلى فاعلٍ فَقَط، وهو ضميرٌ مستترٌ تَقديرُه: أَنْتَ. وهو بمعنى الوجودِ والتكوين.
أَيْ: تَكوَّنْ وتَشَكَلْ كما نُريدُ. والفاءُ في (فَيَكُونُ) حَرْفُ عطف.
وجملةُ (يَكُونُ) معطوفةٌ على جملةِ (كُنْ) . و (يَكُونُ) فعلٌ مضارع تامٌّ، وفاعلُه تقديرُه " هو " وجملةُ " يكونُ " في محلِّ رَفْعٍ خبر لمبتدأ محذوف، تقديرُه: فهو يَكون.
أَيْ: قالَ له: كُنْ، وتَكَوَّنْ، فهو كائِنٌ مُتَكَوِّنٌ كما أَمَرَهُ الله. وكانَ المتوقَّعُ أَنْ يُعَبِّرَ بالماضي: ثم قالَ له: كُنْ فكان.
لأَنه أَخْبَرَ عن خَلْقِ آدَمَ - عليه السلام - في بدايةِ تاريخِ البشريةِ، لكنَّهُ عَدَل عن الماضي إِلى المضارع، فقال: ثم قالَ له: كُنْ، فيكون.
وذلك لكي نستحضرَ نحنُ في خيالِنا خَلْقَ أَبينا آدمَ - عليه السلام - لأَنَّ المضارعَ يدل على التجدّدِ والاستمرارِ، والحيويةِ والتفاعل .