كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (جمع الكثرة بدل جمع القلة)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (جمع الكثرة بدل جمع القلة)
136 0

الوصف

                                                   الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية 

                                                      (جمع الكثرة بدل جمع القلة)

خَطَّأَ الفادي الإِتيانَ بجمعِ الكثرةِ بَدَل جمعِ القِلَّة، في قولِ الله - عز وجل -: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) .

قالَ في اعتراضِه على الآية: " وكانَ يَجبُ أَنْ يَجْمَعَها جمعَ قِلَّة؟ لأَنَّهم أَرادوا القِلَّة، فيقول: أَياماً معدودات ".

يَرى الفادي أَنَ " معدودات " جمعُ قِلَّة، وأَنَ (مَعْدُودَةً) جمعُ كثرة! وهذا الكلامُ باطل، فالصّيغَتان جمعُ قِلَّة.

لكنَّ (مَعْدُودَةً) تدلُّ على عددٍ أَقَلَّ من " معدودات ". فإذا أَريدَ العددُ الأَقَلُّ ذُكِرَتْ صيغةُ (مَعْدُودَةً) ، وإِذا أُريدَ العددُ الأَكثرُ ذُكِرَتْ صيغةُ " معدودات ".

وهذا عكسُ ما قالَه الفادي الجاهلُ باللغةِ العربية. والآيةُ التي خَظَأَها الجاهلُ تتحدَّثُ عن اليهود، واستخفافِهم بعذابِ الله، وادِّعائهم أَنهم أَبناءُ اللهِ وأَحِبّاؤه.

قال تعالى: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) . واللطيفُ في التعبيرِ القرآنيِّ المعجزِ أَنَه أَوْرَدَ الصيغتَيْن " معدودة، ومعدودات"

في نفسِ الموضوع، وهو زَعْمُ اليهودِ عدمَ تعذيبِهم إِلّا أَيّاماً قليلةً في جهنَّم.

قال تعالى: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٠)) .

وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)) . (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ).

ما حكمةُ وَصْفِ الأَيّامِ في سورةِ البقرة بالصيغةِ الدالَّةِ على العَدَدِ الأَقَلّ: (أَيَّامًا مَعْدُودَةً) ، وَوَصْفِ الأَيّام نفسِها في سورةِ آل عمران بالصيغةِ الدالةِ على العددِ الأكثر: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) ؟

مع أَنَّ الأَيّامَ في السورتَيْن واحدة، والقائلين فيهما اليهود؟. إِنَّ السياقَ هو الحَكَم، وهو في سورةِ البقرة غيرُه في سورةِ آل عمران!.

إِنَّ الكلامَ في سورةِ البقرة مختَصَر، والهدفُ منه ذِكْرُ زَعْمِ اليهودِ ثم الرَّدُّ عليه بإِيجاز، ولذلك وُصِفَت الأَيّامُ بالصيغةِ الدالَّةِ على القِلَّة، لِتَتَناسَبَ مع الهدفِ من الكلامِ، وهو الاختصارُ الدالُّ على التقليل: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) .

أَمّا الكلامُ في سورةِ آل عمران فإنه مُفَصَّلٌ مُطَوَّل قليلاً، فهو لا يَكتفي بمجردِ تسجيلِ زَعْم اليهود، وإِنَّما يَدْعو إِلى التعجبِ من موقفِ اليهودِ الاستعلائي، فإِنهم عندما يُدْعَون إِلى الاستجابةِ لحُكْمِ الله، يَرْفُضون تلكَ

الدعوة، ويَتَوَلُّونَ ويُعْرضون، ويُصرّونَ على باطِلهم، والسببُ في هذا زَعْمُهم أَنهم لن يُعَذَّبوا في النارِ إِلّا أَياماً معدودات، واغترارُهم في دينهم، وتصديقُهم مزاعِمَهم.

وبما أَنَّ الكلامَ في سورةِ آلِ عمران مُطَوَّلٌ مُفَصَّل، في عَرْضِ بعضِ صفاتِ اليهودِ وتصرفاتِهم وأَقوالِهم، جاءَ بالصيغة الدالَّةِ على تكثيرِ الأيام، لتتناسبَ مع السياقِ الذي وَرَدَتْ فيه: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ).