كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (عود ضمير الجمع على المفرد)
الوصف
الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية
(عود ضمير الجمع على المفرد)
اعترضَ الفادي على قولِ اللهِ - عز وجل -: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧)) .
اعتراضه على ضمير الجمع في (بِنُورِهِمْ) ، فكيفَ جاءَ بصيغةِ الجمعِ مع أَنَّهُ يَعودُ على المفرد، وهو الضميرُ المستتر في (اسْتَوْقَدَ) .
قال: " وكانَ يَجِبُ أَنْ يَجْعَلَ الضميرَ العائدَ على المفردِ مُفْرَداً، فيقول: استوقد ناراً فلما أَضاءتْ ما حوله ذهبَ اللهُ بنورِه ".
واعتراضُ الفادي دليلُ جَهْلِه بأَساليبِ التعبيرِ الرائعةِ البليغةِ في اللغةِ العربيةِ الشاعرة.
إِنَّ التشبيهَ في الآيةِ تَشبيهٌ تَمثيليّ، شَبَّهَ حالاً بحال، حالَ المنافقينَ في عدمِ انتفاعِهم بالإِيمانِ، بحالِ الذي استوقَدَ ناراً ثم أَطْفَأَها اللهُ، فلم ينتفعْ هو بها.
وجاءَ ضمير " هُمْ " في قوله: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) جَمْعاً، مراعاةً للحالِ المشَبَّهَة، وهي حالُ المنافقين، وليس الحالَ المشَبَّهَ بها، وهي حالُ المستوقِدِ ناراً، لأَنَّ الهدفَ من هذا التشبيهِ التمثيلي هو المَشبَّهُ وليس المشَبَّه به، وبيانُ عَدَمِ استفادةِ المنافقين من الهدى والنور. لقد عادَ ضميرُ " هم " في (بِنُورِهِمْ) على ضميرِ " هُمْ " في (مَثَلُهُمْ) ، والمرادُ بهذا الضميرِ المنافقون.
ولو عادَ الضميرُ على المفردِ، وقالَ: " ذهب الله بنوره وتركه في ظلمات " لكانَ التركيزُ على التشبيهِ والتمثيل، وهذا ممكِن، ولكنه ليسَ فصيحاً. إِنَّ الأَفصحَ والأَبلغَ الانتقالُ من التمثيل والتشبيهِ إِلى الحقيقة، ليدُلَّ على
أَنَّ اللهَ أَذهبَ نورَ الإِيمانِ من قلوبِ المنافقين؟ أَنَّ اللهَ أَذهبَ نورَ الإِيمانِ من قلوبِ المنافقين؟ لأَنَّ هذا هو المقصودُ من التشبيه.
وصارَ التقدير هكذا: مَثَلُ المنافقين في عَدَمِ استفادتِهم من الإِيمانِ كَمَثَلِ رجلٍ استوقدَ ناراً، فلما أَضاءَتْ ما حولَه، ذهبَ اللهُ بنارِه، فلم يَسْتَفِدْ منها، وكذلك المنافقون ذَهَبَ اللهُ بنورِهم، فلم يستفيدوا من الإِيمان.
وقد جاءَ ضميرُ الجمعِ في (بِنُورِهِمْ) بين ضميرَيْ جَمْع: الضميرِ في (مَثَلُهُمْ) قبلَه. والضمير في (وَتَرَكَهُمْ) بعدَه!!. وعلى هذا يكونُ اعتراضُ الفادي لا معنى له، فالأَفصحُ والأَبلغُ هو ما وردَ في القرآن!