كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية (ذكر المرفوع بعد المنصوب)
الوصف
الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية
(ذكر المرفوع بعد المنصوب)
قالَ اللهُ وَبَئّ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)) .
خَطَّاَ الفادي الجاهلُ الآية، لأَنَّ كلمةَ (وَالصَّابِئُونَ) فيها مرفوعةٌ بالواو، مع أَنها معطوفة على اسم " إِنَّ " المنصوب، ولذلكَ جَعَلَ عنوانَ تخطئتِه: " رَفْعُ المعطوفِ على المنصوب "، وهذا خَطَأ نحويّ؟
لأَنَّ المعطوفَ على المنصوبِ منصوب، وقالَ الجاهلُ في تخطئتِه: " وكانَ يجبُ أَنْ يُنْصَبَ المعطوفُ على اسم " إِنّ " فيقول: " والصابئين " كما فعلَ هذا في سورةِ البقرةِ وسورةِ الحج ... ".
لقد ذَكَرَ القرآنُ أَصحابَ الدياناتِ المعروفةِ في ثلاثٍ من سُوَرِه:
١ - قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))
٢ - وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
٣ - وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا ... ) .
ولا إِشكالَ على آيةِ سورةِ البقرة؟ لأَنَّ (الَّذِينَ آمَنُوا) في محلِّ نَصْب اسمِ " إنَّ " و (الَّذِينَ هَادُوا) معطوفةٌ عليها في محلِّ نَصْب، و (النَّصَارَى) معطوفةٌ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))
٢ - وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
عليها منصوبة، و (الصَّابِئِينَ) : معطوفَةٌ عليها منصوبةٌ بالياء.
وخَبَرُ " إِنَّ " اسْمُ الموصولِ (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) .
والتقدير: إِنَّ المؤمنين واليهودَ والنَّصارى والصابئين المقبولُ منهم هو المؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِر.
ولا إِشكالَ على آيةِ سورةِ الحج؟ لأَنَّ: (وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) معطوفَة على اسمِ " إِنَّ "، وهو (الَّذِينَ آمَنُوا) ، وخَبَرُ " إِنَّ " جملةُ (إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) والتقدير: إِنَّ المؤمنينَ واليهودَ والصابئين والنَّصارى والمجوسَ والمشركين مَفْصولٌ بينهم يومَ القيامة.
والمشكلةُ في آيةِ سورةِ المائدة، لأَنَّ ظاهِرَها عَطْفُ المرفوعِ (وَالصَّابِئُونَ) على المنصوبِ (الَّذِينَ آمَنُوا) الذي هو اسْمُ " إِنَّ "، وهذا لَا يَجوزُ في اللغةِ والنحو، ولذلك اعْتَبَرَهُ الفادي خطأً نحوياً!.
والراجحُ أَنَّ آيةَ سورةِ المائدةِ مُكَوَّنَةٌ مَن جملتَيْن:
الجملةُ الأُولى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) . وهي تتحدَّثُ عن المؤمنينَ المسلمينَ من أُمَّةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وتُقَرِّرُ فَلاحَهم عندَ الله.
والراجحُ أَنَّ خبرَ " إِنَّ " محذوف، والتقديرُ: إِنَّ المؤمنين مفلحون.
الجملةُ الثانية: (وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) .
والراجحُ أَنَّ الواوَ في (وَالَّذِينَ هَادُوا) حرفُ استئنافٍ وليستْ حَرْفَ عَطْف، والجملةُ بَعْدَها استئنافيةٌ وليستْ معطوفةً على ما قبلَها، والراجحُ أَنَّ (وَالَّذِينَ هَادُوا) في محلّ رفْع مبتدأ.
والواوُ في (وَالصَّابِئُونَ) حرفُ عطف ، (وَالصَّابِئُونَ) مرفوعةٌ لأَنَّها معطوفةٌ على المبتدأ (الَّذِينَ آمَنُوا) ، (وَالنَّصَارَى) مرفوعة لأَنها معطوفة على المبتدأ.
والراجحُ أَنَّ خَبَرَ المبتدأ هو اسْمُ الموصول (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) .
والتقدير: واليهودُ والصابئون والنَّصارى المؤمنون بالله واليومِ الآخِرِ منهم هم المفلحون!!.
وعلى هذا التوجيهِ يكونُ مَعْنى الآية: المؤمنونَ من أُمَّةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم. مُفْلِحون فائزون. واليهودُ والصابئون والنصارى لا يُقْبَلُ منهم إِلَّا مَنْ آمَنَ باللهِ واليومِ الآخر.
وبهذا نعرفُ أَنه لا خَطَأَ نحوياً في الآية، وأَنها ليستْ من عَطْفِ المرفوعِ على المنصوب كما فهمَ الفادي الجاهل، وإِنما هي من استئنافِ جملة بعدَ جملة!.