كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (كيف يضل الله الإنسان ثم يعذبه؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (كيف يضل الله الإنسان ثم يعذبه؟)
152 0

الوصف

                                                    الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية

                                                    (كيف يضل الله الإنسان ثم يعذبه؟)

ذَكَرَ الفادي سِتَّ آياتٍ تُخبرُ أَنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدي مَنْ يشاء، منها قولُه تعالى: (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) ، وقولُه تعالى: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (١٧٨) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) .

واعترضَ على ما تُقَرِّرُهُ هذه الآيات، واعتبرَه لا يَتفقُ مع رحمةِ اللهِ وعَدْلِه؟ قال: " ونحنُ نَسأل: أَيُّ إِلهٍ هذا، الذي يُضلُّ الناسَ الذينَ خَلَقَهم، ليَملأَ بِهم جهنَّم، بعدَ أَنْ قضى بهذا منذُ الأَزَل قضاءً مُبرماً لا مَفَرَّ منه بالضَّلالةِ والعذاب؟ فأينَ كَرامةُ الإِنسان؟ وأَينَ حريةُ إِرادتِه؟ وما معنى الأَوامِرِ والنَّواهي والشرائعِ، والترغيبِ بالثوابِ والتحذيرِ بالعقاب؟ ".

يُريدُ الفادي أَنْ يَقول: كيفَ يُضلُّ اللهُ النّاسَ الذينَ خَلَقَهم؟ وكيفَ كَتَبَ عليهم الضلالَ منذُ الأَزَل؟ وكيف خَلَقَهم إِلى النار؟ وإِذا كانوا مَخْلوقينَ إِلى النارِ فأَين إِرادَتُهم واختيارُهم؟ وما فائدةُ التكاليفِ والشرائعِ والأَوامر؟.

يتكلمُ الفادي عن قضيةٍ معروفةٍ في الفكر الإِسلاميِّ بقضيةِ " الجَبْرِ والاختيار " وهل الإِنسانُ مُسَيَّر أَو مُخَيَّر؟ وكَثُرَ حولَهَا الكلامُ عند رجالِ الفرقِ الإِسلامية. وقد كانَ كَلامُ القرآنِ واضِحاً حولَ هذه القضية.

ونُلَخِّصُ الكلامَ عنها بالإِشاراتِ السريعةِ التالية: اللهُ الخالقُ لكُلِّ شيءٍ في هذا الوُجود، وكُلُّ شيء يكونُ بإِذْنِ الله ومشيئتِه وإِرادتِه، وحاشَ لله أَنْ يَقعَ شيء في الكونِ رَغْماً عنه، فالخيرُ والشرّ، ْوالكفرُ والإِيمان، والطاعةُ والمعصية، كلُّ ذلك بإِرادتِه سبحانه، لكنَّه لا يَرضى الكفْرَ والمعصيةَ والشَّرّ، ولا يَقْبَلُ ذلك من أَصحابِه، ولذلك يُعاقِبُهم عليه، أَمّا الإِيمانُ والطاعةُ فإنه يَرضاهما، ويقبَلُهما من أصحابهما، ويثيبهُم عليهما!.

وكَرَّمَ اللهُ الإِنسانَ الذي خَلَقَه، ومَنَحَه القدرةَ على اختيارِ ما يُريد، ولم يُجْبِرْه على أَيِّ شيء، إِيماناً أَو كفراً، طاعةً أَو معصية، فالإِنسانُ يخْتارُ طريقَه بحريتِه وإِرادتِه، يُمكنُ أَنْ يَختارَ الإِيمانَ والطاعةَ بحريتِه وإرادتِه، ويمكنُ أَنْ يَختارَ الكفرَ والضلالَ بإِرادتِه وحريتِه، واللهُ لا يُجْبِرُه على هذا، ولا على هذا!!.

لكنَّ الإِنسانَ لا يَختارُ إِحدى الطريقَيْن إِلّا بمشيئةِ اللهِ وإذنِه وإِرادتِه؟ لأَنه لا يَحدثُ شيءٌ في الكونِ إِلّا بإِذْنِه ومشيئَتِه كما قَرَّرْنا، فالمؤمنُ يؤمنُ بمشيئةِ الله، والكافرُ يكفُرُ بمشيئةِ اللهِ أَيضاً!.

ومشيئةُ اللهِ مشيئَةُ علْمٍ أَوَّلاً، أَيْ أَنَّ اللهَ يَعلمُ أَنَّ فُلاناً سيؤمن، وأَنَّ فلاناً سيكْفُر، وعِلْمُه بذلك منْذُ الأَزَل، قبلَ خَلْقِه سبحانه السمواتِ والأَرض ، فيكونُ إِيمانُ المؤمنِ وكُفْرُ الكافرِ تَحْقيقاً لما عَلِمَه اللهُ وشاءَه وقَدَّرَه وأَرادَه!.

ومن المعلومِ أَنَّ اللهَ لا يُحاسِبُ الإِنسانَ إِلّا على ما كَسَبَه وعَمِلَه وفَعَلَه ، فهو سبحانه لا يُحاسِبُه على ما عَلِمَه منه، ولكنْ يُحاسبُه بعد فِعْلِه المتفقِ مع ما عَلِمَه منه، وهو مُخَيَّرٌ في ما سيفْعَلُه ويَختارُه!.

من الآيات ِ الصريحةِ التي تُقَرِّرُ هذه الحقيقةَ قولُه تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)) .

ومنها قولُه لعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣)) .

ومنها قولُه تعالى: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٣١)) .

وإذا كانَ الإِنسانُ يؤمنُ بإِذْنِ الله، ويكفُرُ بإِذْنِ الله، بالمفهومِ الذي وَضَّحْناه، كان الإِيمانُ والهُدى بيدِ الله، وكانَ الكفْرُ والضَّلالُ بيدِ الله ، فاللهُ هو الذي يَهْدي مَنْ يَشاءُ هدايتَه، واللهُ هو الذي يُضلُّ مَنْ يشاء إِضْلاله، بالمفهوم الذي أوضحناه بهذا نفهمُ معنى إسنادِ الهُدى والضَّلالِ إِلى الله، كما في قولِه تَعالى: (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) ، وكما في قولِه تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) .

بقيتْ في هذه القضيةِ مسأَلة؟ وهي: مَنْ هو الذي يَشاءُ اللهُ هدايتَه؟ ومَنْ هو الذي يَشاءُ اللهُ إِضْلالَه؟.

يَشاءُ اللهُ هدايةَ الشخص الذي يَختارُ الإِيمانَ والهدى ويُريدُه، ويتوَجَّهُ إِليه، ويَرغبُ فيه، فهذا يُعينُه اللهُ ويُثَبِّتُه عليه، ويُحِبُّه ويَرضى عنه، ويُثيبُه على ما فعلَ جَنّاتِ النعيم.

ويَشاءُ اللهُ إِضْلَال الشخصِ، الذي يَختارُ الكفرَ والضَّلال، ويَرفضُ الإِيمانَ والهدى، ويَسيرُ في طريقِ الانحرافِ والفساد، ويُحصي اللهُ عليه جرائمَه، ويُحاسبُه على أَفعالِه، ويُعَذَبُه في نارِ جهنَّم.

ومن الآياتِ الصريحةِ في تقريرِ هذه الحقيقةِ قولُه تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١)) .