كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (حول إحراق عثمان المصاحف)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (حول إحراق عثمان المصاحف)
124 0

الوصف

                                                    الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية

                                                     (حول إحراق عثمان المصاحف)

أَثارَ الفادي الشبهاتِ حولَ إِحراقِ عثمانَ - رضي الله عنه - المصاحفَ المخالفةَ لمصحَفِه، واعتبرَ هذا طَعْناً في صحةِ القرآنِ وحِفْظِه، ودَليلاً على أَنَّ القرآنَ ليسَ من عندِ الله.

ويَتناقضُ مع قوله تعالى: (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٦٢)) . فالآيةُ تُقررُ أَن سنةَ اللهِ لا تَتَبَدَّل، وعثمانُ بَدَّلَ القرآن، وهذا معناهُ أَنَّ القرآنَ ليس كلامَ الله، فلو كان كلامَ اللهِ لمنَعَ اللهُ عُثمانَ من تبديلِهِ إ!.

قال الفادي المفترِي في تَعْليقِه على الآيةِ السابقة: " أحرقَ عثمانُ بنُ عَفّان - ثالثُ الخلفاءِ الراشدين - جميعَ نُسَخِ القرآنِ التي تَختلفُ عن نسخَتِه، وأَبقى على نسختِه التي كَتَبَها هو. ونحنُ نسأل: أَليستْ جَميعُ الأَقوالِ التي تَختلفُ عن نسخةِ عُثْمان قُرآناً؟ فلماذا أَحْرَقَها؟ ولماذا لم تُحْفَظْ من الضَّياعِ بالنار إِنْ كانَتْ أَقوالَ الله؟ ولماذا بَدَّلَ قرآناً بقُرآن، وأَحرقَ الواحدَ وأَبقى على الآخر؟ ".

يَكذبُ الفادي عندما يَدَّعي أَنَّ عُثمانَ كَتَبَ نسخَتَه من القرآن، وأَنه حَرَقَ كُلَّ النسخ المخالفةِ لها، ومَنْ يقرأُ هذا الكلامَ يَظُنُّ أَنَّ عُثمان أَلَّفَ القرآنَ من عنده، وأَنه حَرَّفَه وغَيَّرَه وبَدَّلَه، واستَغَلَّ منصبَه باعتباره خليفَةً، لإِقرارِ واعتمادِ نسختِه المبَدَّلَة المحَرَّفَة، وإِتلافِ جميعِ النسخِ الأُخْرى المخالفةِ لها.

ولا يَتَّسِعُ المجالُ للحديثِ المفَصَّلِ عن جَمْعِ القرآنِ وحِفْظِه والمراحلِ التي مَرَّ بها، إِنما نُشيرُ إِشارةً سريعةً إِلى ذلك.

لقد جُمِعَ القرآنُ أَيامَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بطريقَتَيْن: جَمْعُهُ في الصُّدور، بإِتْقانِ حِفْظِه من قِبَلِ الآلافِ الحُفّاظِ من الصحابة.

وجَمْعُهُ في السُّطور، بكتابتِه على أدواتِ الكتابةِ الميَسَّرةِ في عصرِهم، وهذا تَمَّ على أَيْدي العشراتِ من الصحابة حيث كان الصحابيُّ يَكتبُ على أَوراقِهِ بعضَ سورِ القرآن التى يَخْشى نِسيانَها، فمنهم مَنْ كَتَبَ كُلَّ القرآن، ومنهم مَنْ كَتَبَ نِصْفَه أَو ثلثَه أَوربعَه أَو بعضَ سورِه.

وفي خلافةِ أَبي بكرٍ الصديقِ - رضي الله عنه - بدأَتْ حركَةُ الجهاد، واستُشْهِدَ كثيرٌ من حُفّاظِ القرآن في المعارك، فدعَت الحاجةُ إلى جَمْع القرآن، وأَلْهَمَ اللهُ عمرَ - رضي الله عنه - أَنْ يُشيرَ على أبي بكرٍ - رضي الله عنه - بذلك، وكَلَّفَ أبو بكرٍ زيدَ بنَ ثابتٍ - رضي الله عنه - بذلك.

فكتبَ زيدٌ النسخةَ الأُولى من المصحف، وسَجَّلَ فيها القرآنَ مُرَتَّبَ السورِ والآياتِ كما أَمَرَ اللهُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم -، في العَرْضةِ الأَخيرةِ التي حَضَرَها زيدُ بنُ ثابت - رضي الله عنه -.

وكان زيدِّ لا يكتبُ أيةَ آيةٍ في المصحف إِلا بعدَ أَنْ يأتِيَه صحابيٌّ يَحفظُها حِفْظاً مُتْقَناً، ويأتيهِ بها مكتوبةً عنده، ومعه شاهِدٌ آخرُ من الصحابة، وكان زيدٌ نفسُه حافظاً مُتْقِناً.

وبهذا كان يشهدُ على كلِّ آيةٍ أربعةٌ من الصحابةِ الحافظين، وكانت الآية مدَوَّنَةً مكتوبة. ووُضعت النسخةُ المعتَمَدَةُ من المصحفِ والتي أَجمعَ عليها جميعُ الصحابةِ عندَ أَبي بكر، ثم عندَ عُمر، ثم عندَ حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما -. والذي دَعا إِلى اْلجمعِ الثالثِ للقرآنِ في خلافةِ عثمانَ هو بَقاءُ النُّسَخِ الخاصَّةِ مِن مصاحفِ بعضِ الصحابة في بيوتِهم، ولم تَكنْ على طريقةٍ واحدةٍ كما ذكرنا، فأَدّى هذا إِلى اختلافٍ في بعْضِ تلك النُّسَخ، في ترتيبِ بعضِ السور والآيات، للأَسبابِ التي أَشَرْنا لها، وكانَ كُلُّ واحدٍ يُقْرِئُ الآخرين من نسختِه التي قد تخالفُ بعضَ النسخ، فأَلهم اللهُ حذيفةَ بنَ اليَمانِ - رضي الله عنه - أَنْ يُشيرَ على الخليفةِ عثمان بجمعٍ جديدٍ للقرآن، لاعتمادِ النسخةِ الجديدةِ وإِلغاءِ ما سِواها من النسخ المخالفة!.

فشكَّلَ عثمانُ لجنةً من الصحابةِ برئاسةِ زيدِ بنِ ثابتٍ لإِعادة جَمْع القرآن، على أَساسِ النسخةِ التي كَتَبَها زيدٌ زمنَ الصديق، وأجمعت اللجنة على النسخةِ الجديدة، ثم نَسَخَ منها عدةَ نُسَخ، أُرسلَتْ إلى العواصمِ الإِسلامية في مكةَ واليمن والبصرة والكوفة والشام، وأَجمعَ الصحابةُ على اعتمادِ تلكَ النّسْخَة، بعدَ تَرَدُّدٍ من بعضِهم كعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، الذي عادَ ووافقَ الصحابةَ على إِجماعهم.

وسُمِّيَ ذلك المصحفُ " المصحفَ العثمانيَّ "، نسبةً إلى الخليفةِ عثمانَ الذي جُمِعَ في عهده، وبما أَنه نالَ إِجماع جميعِ الصحابة وإِقْرارَهم، لذلك سُمّيَ " المصحفَ الإِمامَ "!.

عند ذلك أَمَرَ عُثمانُ - رضي الله عنه - أَيَّ صَحابيٍّ عَنْدَه مصحفٌ كاملٌ أَو جزءٌ منه، أَو بعضُ سورٍ منه أَنْ يَحرقَ ما عندَه، لأَنه قد يختلفُ في ترتيبِ بعضِ آياتِه وسورِه عن ما جاءَ في " العَرْضَةِ الأَخيرة "، التي عَرَضَ فيها جبريلُ القرآنَ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

وبذلك أُحْرِقَتْ تلكَ النُّسَخُ غيرُ الكاملةِ للقرآن، واعْتُمِدَ المصحفُ العثماني الإِمامُ، وكان هذا من مظاهرِ حفظِ اللهِ للقرآن!.

ولقد مَدَحَ عليّ بنُ أَبي طالب عندما كان أَميراً للمؤمنين جَمْعَ عثمانَ للمصحف، وإِحْراقَه المصاحفَ المخالفة بقولِه: لا تَقولوا في عثمانَ إلّا خَيْراً، فواللهِ ما فَعَلَ ما فَعَلَ إِلّا عن موافقةٍ مِنّا، ولو كنتُ مكانَ عُثْمانَ لفعلْتُ ما فَعَلَ عُثْمان!!.