كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (حديثُ القرآن عن المسيح - عليه السلام)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (حديثُ القرآن عن المسيح - عليه السلام)
157 0

الوصف

                                                    الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية 

                                                   (حديثُ القرآن عن المسيح - عليه السلام)

تحدَّثَ القرآنُ عن المسيح عيسى ابنِ مريمَ - عليه السلام - كما تَحَدَّثَ عن غيرِه من الرسل، وكان حَديثُه عن أُولي العزمِ من الرسلِ أَكثرَ من حديثِه عن غيرِهم.

وأُولو العزمِ من الرسلِ خمسةٌ هم: نوحٌ وإِبراهيمُ وموسى وعيسى ومحمدٌ،عليهم الصلاةُ والسلام.

وقد كَذَبَ الفادي المفترِي عندما قالَ: " إِنَّ الذي ذَكَرَهُ القرآنُ عن المسيحِ يَفوقُ ما ذَكَرَهُ عن سائرِ البَشَر، بمنْ فيهم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - أَلا يُشيرُ هذا إِلى تَفَرُّدِ المسيحِ عن سائرِ البشر؟وهذا ما يقولُه الإِنْجيلُ عن لاهوتِ المسيح ".

إِنَّ ما ذَكَرَهُ القرآنُ عن محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أَكثرُ مما ذَكَرَه عن عيسى - عليه السلام -، وكذلك ما ذَكَرَهُ عن إِبراهيمَ وموسى - عليهما السلام - أَكثرُ مما ذَكَرَهُ عنه.

أولاً: مثل عيسى كمثل آدم:

 أَخْبَرَ اللهُ أَنَّ مَثَلَ عيسى كَمَثَلِ آدم - عليه السلام -. قال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)) .

خَلَقَ اللهُ آدمَ - عليه السلام - من تراب، ثم نَفَخَ فيه من روحِه، وقالَ له: كُنْ إِنساناً حَيّاً، فكانَ إِنْساناً حَيّاً..وهكذا عيسى - عليه السلام -، أَرادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَه بدونِ أَبٍ، فأَمَرَ جبريلَ - عليه السلام - أَنْ يَنفخَ روحَه في مريم - عليها السلام - فَفَعَل، وقالَ الله لعيسى: كُنْ إِنساناً حَيّاً في رَحِمِ مريم، فكانَ كما أَرادَ الله.

فلا غَرابةَ في خَلْقِ عيسى - عليه السلام - بدونِ أَبٍ، كما أَنه لا غَرابةَ في خَلْقِ آدمَ بدونِ أَبٍ أَو أُمّ. ولكنَّ هذا الكلامَ لم يُعْجب الفادي المفترِي، ولذلك اعترضَ على الآيةِ بقولِه: " ونحنُ نَقولُ: إِنَّ آدَمَ مِثْلُ المسيحِ في أَنه أَبو الجِنْسِ البشريِّ ووكِيلُه ونائبُه، ولكنَّ آدمَ بمعصيتِه جَرَّ ذريتَه جَميعاً للهَلاك.أَمّا المسيحُ فهو أَبٌ ووكيلٌ ونائبٌ جَديدٌ للمؤمنين به، الذين مَنَحَتْهُم كفارتُه وعملُه النيابيُّ وطاعتُه خلاصَهم، ولهذا قالَ الإِنجيل: آدمُ الذي هو مِثالُ الآتي ".

أَمّا أَنَّ آدمَ - عليه السلام - أَبو البشر فهذا متفقٌ عليه، لأَنه أَوَّلُ مخلوقٍ من البشر. وأَمّا أَنّ عيسى المسيحَ - عليه السلام - أَبو البشرِ فهو أَمْرٌ مَرْفوض، لأَنه وُلدَ بعدَ آدمَ بفترةٍ طويلة، تَزيدُ عن مئاتِ الآلافِ من السنين.

ولقد كانَ الفادي وأَهْلُ ملَّتِه مُغالين مُبالغين عندما اعْتَبَروا عيسى - عليه السلام - أَباً للبشر، ووكيلَهم ونائباً عنهم، لدرجةِ أَنْ فَداهم بنفسِه، وجَعَلَ دَمَه كفارةً لذُنوبهم، وتَخْليصاً لهم!! وقد سبقَ أَنْ ناقَشْنا الفادي في موضوعِ الكفارةِ والفداءِ والخلاص.

ويُخَطِّئُ الفادي الآيةَ، لأَنها شَبَّهَتْ عيسى - عليه السلام - بآدمَ: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)) .

فهو يَرى أَنَّ خَلْقَ عيسى ليسَ كخلْقِ آدم، قال: " أَمّا تَشبيهُ المسيح بآدَم، بما يُفيدُ أَنَّ المسيحَ مخلون كآدمَ بأَمْرِ الله، فهذا خَطَأ لأَنَّ المسيحَ ليس بكائِنٍ من كلمةِ الله، بل هو ذاتُه كلمةُ اللهِ الأَزليّ، الذي تَجَسَّدَ من مريمَ العذراء، وظَهَرَ بينَ الناسِ ليخلَصَهم.. ".

يَرى الفادي أَنَ آدمَ - عليه السلام - خُلِقَ بكلمةٍ من الله، وكُلُّ بَشَرٍ خُلِقَ بكلمةٍ من الله، إِلّا المسيحُ - عليه السلام -، فإِنه ليسَ مَخْلوقاً بكلمةٍ من الله، وإِنما هو كلمةُ اللهِ ذاتُها، التي يَخْلُقُ بها الناس، وهي كلمةٌ أَزليةٌ غيرُ مَخلوقة، وَجَّهَها الله ُ إِلى مريم، وتجسَّدَتْ هذه الكلمةُ في عيسى!!.

ومعنى هذا الكلامِ أَنَّ عيسى ليسَ مخلوقاً، وإِنما هو أَزَليّ، والأَزَلِيُّ هو الله، لأَنَّ كُلَّ ما سوى اللهِ مَخْلوق، فإِنْ لم يكنْ عيسى مخلوقاً، وإِنْ كانَ أَزَلِيّاً، فسيكونُ إِلهاً، لأَنَّ الموجودَ إِمّا أَنْ يكونَ مَخلوقاً حادِثاً، وإِمّا أَنْ يَكونَ أَزَليّاً خالِقاً، فإِنْ لم يكنْ مَخْلوقاً حادِثاً كان أَزَلِيّاً خالقاً!!. إِنَّ جملةَ الفادي السابقةَ تأليه منه لعيسى - عليه السلام -. وقد أَدانَ اللهُ الذين أَلّهوا عيسى - عليه السلام - وكفَّرَهم، وذلكَ في قولِه تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) .

ثانياً: وضوح حديث القرآن عن المسيح:

كانَ القرآن واضحاً صريحاً في تقريرِه خَلْقَ عيسى كخلقِ آدمَ - عليه السلام -، وَوَجْهُ الشَّبَهِ بينَهما أَنَ كُلّاً منهما خُلِقَ بكلمةِ اللهِ الأَزلية، التي خَلَقَ بها باقي المخلوقين، وهي كلمةُ " كُنْ " التكوينية: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)) .

ورغْمَ تقريرِ القرآنِ الواضحِ بشأنِ خَلْقِ عيسى - عليه السلام -، وأَنه عبدُ اللهِ ورسولُه، إِلَّا أَنَّ الفادي اتَّهَمَهُ بالتناقض.

قال: " ويقولُ القرآنُ في المسيحِ كَلاماً متناقضاً. تقولُ سورةُ المائدة: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) .

وَوَرَدَ في سورةِ الزخرف: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)) . وفي الوقْتِ نفسِهِ توجَدُ آياتٌ أُخرى تُشيرُ إِلى لاهوتِ المسيح، كشخصٍ غريبٍ وعَجيب بين البشر، وتُعطيهِ أَعظمَ الأَلْقاب، التي لم تُعْطَ في القرآنِ لغيره ".