كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (لم يشك الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالوحىِ)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (لم يشك الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالوحىِ)
108 0

الوصف

                                                     الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية 

                                               (لم يشك الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالوحىِ)

وَضعَ الفادي المفترِي عِنواناً مثيراً هو: " الوحيُ الذي يَشُكُّ فيه مُبَلِّغُه "

اعترضَ فيه على آيتَيْن من القرآن، ووظَّفَهما دليلاً على عَدَمِ نبوةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعلى سيطرةِ الوساوسِ عليه بشأنِ الوحي:

الأولى: قوله تعالى: (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)) .

اعتبرَ الفادي الآيةَ دَليلاً على شَكِّ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - بالوحيِ والنبوة، وزعم أَنه ملأَ الحرجُ والشَّكُّ صَدْرَه، وسيطرت الوساوسُ عليه، ولذلك تَدْعوه الآية إِلى إِخراجِ الحَرَجِ من صَدْرِه، وإِزالةِ الشّكّ والوساوسِ عنه!.

ونَقَلَ كَلاماً عن البيضاوي يُؤَيِّدُ ما ذَهَبَ إِليه. قال: " وقالَ البيضاويُّ في تفسيرِ الآية: (حَرَجٌ منهُ) : أَيْ شَكّ فيه.فإِنَّ الشّاكّ حَرِجُ الصدْرِ وضَيِّقُ القَلْبِ مَخافَةَ أَنْ يُكَذَّبَ فيه..".

وقد تَصرَّفَ المفْتَرِي في كلامِ البيضاوي! والذي قالَه البيضاويُّ هو: (فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) : أَيْ: شَكّ، فإِنَّ الشّاكَّ حَرِجُ الصَّدْرِ.

أَو: ضِيقُ قَلْبٍ من تبليغِه، مخافَةَ أَنْ تُكَذَّبَ فيه، أَو تُقَصرَ في القيام بحقِّه.. وتَوجيهُ النهيِ إِليه للمبالغة..".

لا تدلُّ الآيةُ على أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - كان عندَه شَكّ في الوحْي، كما فهمَ الفادي منها ذلك، إِنما تَنهى الآيةُ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - عن التحرج من تَبليغِ الوحْيِ وإِنذارِ الناسِ به: (فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) .

أَيْ: لا تتحرجْ من إِنذارِ الناسِ به.. وفَرْقٌ بين القول: كانَ عنْدَه شَكّ في الوحيِ والنبوة.

وبينَ القول: يَدْعوهُ اللهُ إِلى عدمِ التحرجِ من إِنذارِ الناسِ به!.

وإِذا تحرجَ من الإِنذارِ والتبليغِ، يكونُ التحرجُ خشيةَ أَنْ يُكَذّبَه الكافرون، أَو خشيةَ تقصيرِه من القيامِ بِالحَقِّ وأَداءِ الواجب.

ولا تَدُلُّ الآية ُ على أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - تحرجَ من الإِنذار، إِنما تدلُّ على أَنه إِذا أَصابَه التحرجُ من الإِنذارِ فعليه أَنْ يُزيلَه.

علماً أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - لم يتحرجْ من الإِنذارِ أَبداً!!.

الثانية قولُه تعالى: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٩٤)) .

إِنْ شَك الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - بالوحيِ الذي أَنزلَه اللهُ إِليه فعليه أَنْ يُزيلَ هذا الشَّكَّ، بسؤالِ أَهْلِ الكتابِ من قَبْلِه، أَمّا إِنْ لم يَشُكّ بالوحيِ فلا داعي لسؤالِ أَهْلِ الكتاب.

فهلْ شَكَّ بالوحْيِ واضطرَّ إِلى السؤالَ؟ الجوابُ بالنَّفْي، فلم يَشُكَّ بالوَحي، ولم يضطرَّ إِلى السؤال.

قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) .

وافترى الفادي كذبةً أُخرى عندما نَسَبَ إِلى القرآنِ إِقْرارَه بأَنَّ توراةَ يهودِ عصْره صحيحةٌ سليمة، قال: " وأَكَّدَ القرآنُ أَنَّ التوراةَ المَي بينَ يَدي يهودِ عصْرِه صحيحةٌ سليمة، فيها حُكْمُ الله، والأَوْلى أَنْ يَرْجِعوا إِليها، لا أَنْ

يَرْجِعوا إِلى محمد، فقال: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ) .

وأَوصى القرآنُ المسيحيين أَنْ يُلازِموا أَحكامَ إِنجيلِهم، وحَكَمَ بالفِسْقِ على مَنْ لا يُقيمُ أَحكامَ الإِنجيل.

فقال: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤٧)) .

لم يُقِر القرآنُ أَنَّ التوارةَ التي مع اليهودِ في عصْرِ التنزيلِ صحيحةٌ سليمةٌ، فيها حُكْمُ اللهِ الذي يَجبُ أَنْ يُتَّبَع، وإِنما جَزَمَ أَن هذه التوارةَ محرفةٌ مَكْذوبة.

وجاءَ هذا في عدةِ آيات، منها قولُه تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩)) .

وقوله تعالى: (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا) .

وأَنكرَ اللهُ على اليهودِ احتكامَهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأَنهم أَرادوا بذلك التلاعبَ والتحايلَ والمكْرَ والخِداع، بهدفِ الحُصولِ على حُكْمِ مُخَفَّفٍ منه، وقد عَرَفَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا التلاعُبَ والمكر، فحكَمَ فيهم بَحكْمِ اللهِ في التوراة، وأَقامَ حَدَّ الرجمِ على اليهوديِّ واليهوديةِ اللَّذَيْنِ زَنَيا.

ودعوةُ القرآنِ النصارى إِلى الاحتكامِ للإِنجيل، ليقودَ ذلك إِلى الاعتقادِ بأَنَّ القرآنَ كلامُ الله، وأَنَّ محمداً هو رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، لأَنَّ الإِنجيلَ بَشَّرَ بالنبيِّ الخاتمِ - صلى الله عليه وسلم -، فاحتكامُهم الصحيحُ للإِنجيل معناهُ دخولُهم في الإِسلام!!.