كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية (هل يأمر الله بالفسق والفحشاء؟)
الوصف
الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية
(هل يأمر الله بالفسق والفحشاء؟)
اعترضَ الفادي على قولِ اللهِ - عز وجل -: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦)) .
وأَثارَ حولَ هذه الآيةِ أَسئلةً خبيثة، تدلُّ على تخطئتِه لها.
قال: " فهل يُريدُ اللهُ إِهلاكَ النّاس؟
وهل يأْمُرُ مُتَنَعِّميهم بالفسق، لتحقَّ العقوبةُ عليهم وعلى الفقراءِ بينَهم؟
وهلْ يُناسبُ هذا عدل اللهِ وقداستَه وأَمانتَه؟
وكيفَ يُنْسَبُ للهِ الجورُ والفسقُ والظلم؟ ".
وذَكَرَ آياتٍ أُخرى تُناقضُ الآيةَ السابقةَ في نظره.
قال: " ويُناقضُ القرآنُ قولَه السابقَ بقولِه: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ) ، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠)) .
وقوله: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٢٨)) .
ولا تَناقُضَ بينَ آيةِ سورةِ الإِسراءِ والآياتِ الثلاثِ التي أَوردَها، لأَنه لا تناقُضَ بينَ آياتِ القرآن، وهذه بدهيَّةٌ مُقَرَّرة.
فتتفقُ الآياتُ الثلاثُ مع آيةِ سورةِ الإسراءِ على أَنَّ اللهَ لا يأْمرُ بالفحشاء، ولا يأمرُ بالفسق، ولا يأمرُ بالحرام، ولذلك كَذَّبَ القرآنُ المشركين الذينَ فعلوا الفحشاءَ، وزَعموا أَنَّ اللهَ هو الذي أَمرهم بها، وأَخبرَ أَنه لا يأمُرُ إِلّا بالقسطِ والعدلِ والخير: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٢٨) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) .
أَما آيةُ سورةِ الإِسراءِ فإِنَّ الفادي الجاهلَ لم يفهمْ معناها، ولذلك خَطَّأَها وأَثار حولَها أَسئلتَه التشكيكيةَ الخبيثة.
إِنَّ الآيةَ تُخبرُ عن سُنَّةٍ ربانيةٍ مطردة، بشأْنِ فسقِ المترفين وبطرِهم، وتكبرِهم على أَوامرِ ربّهم، ونشرِهم الفسادَ في البلاد، مما يُؤَدّي إِلي العقابِ والإِهلاكِ والتدمير.
تُخبرُ الآية ُ عن إِنعامِ اللهِ على أَهلِ القريةِ بالمال، وغنى مجموعةٍ منهم، وتحوُّلِهم إِلى أَغنياءَ مُترفين، ويأمُرُ اللهُ هؤلاء المتْرَفين بعبادتِه وطاعتِه، وتنفيذِ أَوامره، واجتنابِ مُحَرَّماتِه، لكنهم يَتَكَبَّرونَ على الله، ويرفضونَ طاعتَه، ويُخالفون أَمره، ويَفسقونَ في القرية، ويَنْشُرون فيها الفسادَ والمعاصي والفسوق، ويُفْسِدونَ بذلك أَهْلَها، فيحق عليها القول، وتنطبقُ عليها السنةُ الربانية، ويوقعُ بها العقابَ، ويُدَمِّرُها تَدْميراً.
في معنى الآيةِ جُمَلٌ مُقَدَّرَة، لتوضيح المعنى، ومعلومٌ أَنَّ الحذفَ والذكْرَ ملحوظانِ في القرآن، ومرادانِ لحكمةٍ مقصودة، فإِذا ذَكَر القرآنُ الجملةَ ذَكَرَها لحكمةٍ مقصودةٍ مرادة، وإِذا حَذَفَها حَذَفَها لحكمةٍ مقصودةٍ مرادة، فهو معجزٌ في ما يَذْكُر، ومعجزٌ في ما يَحْذِف!.
وتقديرُ الآية: إِذا أَرَدْنا أَنْ نهلكَ أَهْلَ قرية، أَمَرْنا مُتْرَفيها بالطاعة،لكنَّهم يَرفضون أَمْرَنا، ويَفْسُقونَ فيها، وبذلك يحقُّ عليها قولُنا، وتنطبقُ عليها سُنَّتُنا، ونُدَمِّرُها تَدْميراً.
وتَهدفُ الآيةُ إِلى أَنْ تُقَررَ قاعدةً مطردة، وهي ارتباطُ الترفِ بالتمردِ والعصيانِ والمخالفةِ والفسقِ، وانتشارُ الفسادِ ثمرةٌ للترفِ والفسق، وهذا كلّه طريقٌ للهلاكِ والعقابِ والتدمير.
وبهذا نعرفُ غَباءَ أَسئلةِ الفادي التي اعترضَ بها على الآيَة.
ولم يأْمر اللهُ المتْرَفين بالفسقِ كما فهمَ الفادي الجاهل، وإِنما أَمَرهم بالطاعة، لكنَّ الفسقَ ناتجٌ عن عِصيانِهم لأَمْرِ الله، وعِقابُ اللهِ للفاسقين المترفين المجرمين عَدْلٌ منه سبحانه.
ومَنْ قالَ: إِنَ الآية تَنسبُ الجورَ والفسقَ والظلمَ إِلى الله؟!
هذا هو فهمُ الفادي الجاهل! إِنَّ الآيةَ تَنسبُ العَدْلَ إِلى الله، وتُرَتّب العِقابَ على الفسق الناتجِ عن معصيةِ الله!.