كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (يمين أيوب والضغث والضرب)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (يمين أيوب والضغث والضرب)
160 0

الوصف

                                                    الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية 

                                                    (يمين أيوب والضغث والضرب)

أَشارَ القرآنُ إِشارةً مبهمةً مجملةً إِلى يمينٍ حَلَفَه أَيوب، فأَرشَدَه اللهُ إِلى كيفيةِ التحللِ من يمينهِ، وعَدَمِ الحنْثِ فيه، بأَنْ يأخذَ ضِغْثأ فيضربَ به الطرفَ الآحْرَ.

قال تعالى: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)) .

وذهبَ الفادي إِلى تفسيرِ البيضاوي، ليأخذَ منه دليلاً على تخطئةِ القرآنِ في حديثِه عن يمينِ أَيوب - عليه السلام -.

قال: " قال البيضاوي: الضغْثُ: الحزمةُ الصغيرةُ من الحشيشِ ونحوِه (فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ) : رُوِيَ أَنَّ زوجةَ أَيوبَ " ليا بنت يعقوب "، وقيل: " رحمة بنت أَفرايم بن يوسف " ذهبتْ لحاجةٍ فأَبطأَتْ، فحلَفَ إِنْ برئ أَن يضربَها مئةَ ضربة، فحلَّلَ اللهُ يَمينَه بذلك، وهي رخصةٌ باقيةٌ في الحدود ".

وأَثارَ الفادي تشكيكَه وشبهاتِه قائلاً: " ونحنُ نسأل: كيفَ يصحُّ لأَيّوب البارّ، الصبورِ على ضَياعِ أَولادِه وعبيدِه ومواشيه، أَنْ يغضبَ على زوجتِه، وهو المشهودُ له في التوراةِ باللطفِ والحِلْم، وخاصةً مع زوجته، إِذْ قالَ لها:" تتكلَّمين كَلاماً كإِحدى الجاهلات!! آلْخَيْرَ نقبلُ من عندِ الله والشَّرَّ لا نَقْبَل؟ ".

وكيفَ يصحُّ لأَيوب أَنْ يتوعَّدَ زوجَتَه بالضربِ مئةَ ضربةٍ لمجردِ إِبطائِها؟ وكيفَ يحلفُ لِيَضْرِبَنَهَا مئةَ سوط، فينصحُه اللهُ أَنْ يأخذَ حُزْمَةً فيها مئةُ عود، فيضربَها بها ضربةً واحدةً فلا تقعُ يمينُه؟ وأَينَ أَيوبُ من يعقوبَ حتى يزوَّجَ ابنتَه؟ أو من يوسفَ حتى يتزوَّجَ حفيدتَه؟ والمعروفُ أَنَّ أَيوبَ سابقٌ ليعقوبَ ويوسفَ تاريخياً؟. وهذه القصةُ موجودةٌ في خرافاتِ اليهودِ القدماء ".

لَسْنا مع الإِمامِ البيضاويِّ في تبيينِه ما أَبهمه القرآن، لأَنَه لا دليلَ له على ذلك.

فلا نقول: إِنَّ امرأَتَه هي لَيا بنتُ يعقوب، ولا نقول: إِنها رحمةُ بنتُ أَفرايم، ولا نقول غيرَ ذلك، وبهذا يسقطُ اعتراضُ الفادي على تعيينِ اسمِ زوجتِه، واعتبارُه ذلك من أَخطاءِ القرآن، لأَنَّ القرآنَ لم يُبَيِّنْ ذلك أَصلاً.

ويُخطئُ الفادي في زَعْمِه أَنَّ أَيوبَ كانَ قبلَ يعقوبَ ويوسفَ بفترةٍ طويلة، وأَنه كانَ في بلادِ عوض العربية، والراجحُ من خلالِ حديثِ القرآنِ عن الأَنبياءِ أَنه كانَ من أَنبياءِ بني إِسْرائيل المتأَخِّرين، نقول هذا من بابِ الترجيحِ والاحتمال، وليسَ من بابِ الجزمِ واليقين.

ولَسْنا مع الإِمام البيضاويِّ في تَبيينِه سَبَبَ حَلْفِ أَيّوب، وكيفيةَ تكفيرِه عنه، فلا دليلَ عندنا من الآيات ِ الصريحة والأَحاديثِ الصحيحة لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، على أَنَ أَيوبَ غضبَ على امرأتِه لأَنها أَبْطَأَتْ عليه، فَحَلَفَ أَنْ يضربَها مئةَ سوط، وأَرشدَهُ اللهُ إِلى أَنْ يأخذَ غُصناً به مئةُ عود، فيضربَها به ضربةً واحدةً، لئلا يحنثَ في يمينِه.

وبهذا يسقطُ اعتراضُ الفادي على ما أَوردَه البيضاوي، لأنه اعترضَ على كلامٍ لم يَصحّ ولم يَثْبُت، وجَعَلَه دليلاً على إِدانةِ القرآنِ وتخطئتِه، مع أَنَّ القرآنَ لم يَقُلْه! وكيفَ يُدانُ القرآنُ ويُخَظَّأُ على كلامٍ لم يَقُلْه؟!.

وعلَينا أَنْ نبقى مع القرآنِ والحديثِ الصحيح في فهمِ ما ذَكَرَه القرآنُ عن قَصَصِ السابقين، ولا يَجوزُ أَنْ نُضيفَ إِليهما كلاماً لأَي شخصٍ آخر، أَو من أَيِّ مصدرٍ آخَر.

وقد أَبهمَ القرآنُ الحديثَ عن يَمينِ أَيوبَ - عليه السلام -، واكتفى بإِشارةٍ مجملة: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ) .

ومعنى الآية: إِنَّ أَيوبَ - عليه السلام - حَلَفَ يَميناً أَنْ يَضربَ شَخْصاً ضَرْباً، فَدَعاهُ اللهُ إِلى أَنْ لا يَحنَثَ في يمينِه، وذلك بأَنْ يأخذَ ضِغْثاً فيضربَ به الطرفَ الآخَر، والضغْثُ هو القبضةُ من الحشيشِ أَو العيدان؟

يمْسِكُ بها الكَفُّ.فأَخَذَ أَيوبُ الضِّغْثَ من الحشيشِ أَو العيدانِ وضربَ به الطرفَ الآخَر، وبذلك أَمضى يمينَه ولم يَحْنَثْ!.

وكلُّ كلامٍ إِضافةً على هذا الكلامِ لا دليلَ عليه، ولا يَجوزُ أَنْ نُفَسِّرَ به كلامَ الله، ولذلك نَستبعدُ ما قيلَ بأَنَّ أَيوبَ حَلَفَ على امرأتِه أَنْ يضربَها مئةَ سوط، وأَنَّ اللهَ أَمَرَهُ أَنْ يضربَها بغصْنٍ فيه مئةُ عودٍ كي لا يَحْنَث!.