كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (بين الإسكندر وذي القرنين)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (بين الإسكندر وذي القرنين)

الوصف

                                                    الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية 

                                                        (بين الإسكندر وذي القرنين)

ذَكَرَ اللهُ طَرَفاً من قصةِ ذي القرنَيْن في سورةِ الكهف الآيات (٨٣ - ٩٨) وخلاصةُ ما ذكَرَه عنه: أَنه كانَ رَجُلاً مؤمناً صالحاً، وكان قوياً شُجاعاً ظافراً منصوراً، وقامَ بثلاثِ رحلات، رحلةٍ نحو مغربِ الشمس، فَتَحَ فيها بلاداً، وأَحسنَ معاملةَ أَهلها، ورحلةٍ نحو مشرقِ الشمس، وصلَ فيها إِلى أرضٍ مكشوفةٍ سهلة منبسطة، ورحلةٍ نحو الشمال، وَجَدَ فيها قوماً ضِعافاً، شكوا إِليه هجماتِ يأجوج ومأجوج، فأَقامَ سَدّاً عالياً بين جبلَيْن، ليقيهم من هجماتِهم.

ورجعَ الفادي إِلى تفسيرِ البيضاوي، وأَخَذَ بعضَ ما قالَه عن ذي القرنَيْن، ونسبَ له قوله: " قال البيضاوي وابنُ هشام: إِنَّ ذا القرنَيْن هو إسكندرُ الأَكبر. وقال البيضاوي: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) : يَعني إِسكندرَ 

الرومي، مَلَكَ فارس والروم، وقيل: مَلَكَ المشرقَ والمغرب، ولذلك سُمِّيَ ذا القرنين، أَو لأَنه طافَ قَرني الدنيا شرقَها وغربَها، وقيلَ: لأَنه انقرضَ قرنان من الناس، وقيلَ: كانَ له قرنان، أَيْ ضفيرتان، وقيل: كانَ لتاجه قَرْنان. ويُحتملُ أَنه لُقّبَ بذلك لشجاعتِه، كما يقال: الكبشُ للشُّجاع، كأَنه ينطحُ أَقرانَه. واختُلفَ في نبوَّته مع الاتفاقِ على إِيمانِه وصَلاحِه ".

ولا نُوافقُ البيضاويَّ على هذا الكلام، لأَنه ليس عليه دليلٌ من القرآنِ أَو الحديثِ الصحيحِ عن رسول اللًه - صلى الله عليه وسلم -، ولا داعي للأَقوال السبعةِ المختلفة التي ذَكَرَها في سببِ تسميته بذي القرنَيْن، ولا داعيَ لترجيحِ أَحَدٍ منها، لأَنها كُلَّها مما لا دليلَ عليه!.

لم يَزِد القرآنُ على وصْفِ ذلك الرجلِ بذي القرنَيْن، وأَبهمَ اسْمَه وزَمانَه ومكانَه، فلا نَعرفُ هل كان نبيّاً أَم لا، ولا نَعرفُ اسْمَه ونَسَبَه، ولا نَعرفُ البلدَ الذي كانَ يحكُمُه، ولا نَعرفُ النبيَّ الذي كانَ في عصره، ولا نَعرفُ

تَفاصيلَ رحلاتِه المذكورةِ في سورةِ الكهف، ولا يُمكنُنا تَحديدُ المكانِ الذي وَصَلَ إِليه في الغرب، ولا تحديدُ العينِ الحمئةِ التي وَقَفَ عندها، ولا تَحديدُ المكانِ في المشرق، ولا تَحديدُ المكانِ الذي وَصَلَه في الشمال، ولا السَّد

الذي بَناه بين الجبلَيْن، فهذا كُلُّه من المبهماتِ التي لا تَبيينَ لها، لعدمِ وجودِ دليلٍ عليها.

ونَرُدُّ القولَ الذي أَوردَه البيضاوي من أَنَّ ذا القرنين هو الإسكندرُ الأَكبرُالرومي، ملكُ اليونانِ المعروف، الذي فَتَحَ بلادَ اليونان والرومان وتركيا والشام ومصر وفارس، وماتَ في شبابِه في مدينةِ بابل، كما قال المؤرخون.

فهذا القول خطأ، وإنْ قالَ به كثيرٌ من المؤَرِّخين والإِخباريّين والمفَسِّرين، لأَنه يَتعارضُ مع القرآن، فالإِسكندرُ المقدونيُّ الرومي كان وثنياً كافراً مشركاً بالله، وذو القرنين كان رَجُلاً مؤمناً صالحاً داعياً إِلى الله، فأَيْنَ هذا من هذا؟!.

إِذنْ أَخْطَأَ البيضاويُّ - رحمه الله - ومَنْ معه عندما قالوا: ذو القرنين هو الإِسكندر! لكنَّهُ خطؤُهم وليسَ خَطَأ القرآن.

وبهذا نَرُدُّ الأَسئلةَ والإِشكالاتِ التي أَثارها الفادي على حديثِ القرآنِ عن ذي القرنينِ في قوله: " ونحنُ نسأل: كيفَ يَجعل القرآنُ إِسكندرَ الأَكبرَالملكَ اليونانيَّ الوثنيَّ نبيّاً يُخاطبُه اللهُ ويُوحي إِليه؟ وكيفَ يَعْزو إِليه زيارةَ سدودٍ تَحُدُّ الأَرضَ وآبارٍ تَغيبُ فيها الشمس؟ وإِذا كانَ إِسكندرُ عَمَّرَ جيلَيْن كما قال البيضاوي، فما كانَ أَقصر أَعمارِ أَهلِ زمانه؟ فالتاريخُ يقول: إِنَّ إِسكندرَ توفيَ ابنَ ثلاثٍ وثلاثين سنة في مدينة بابل سنة (٣٢٣ ق. م) ، وكيفَ يكونُ نبيّاً أَو صالِحاً مؤمناً، وقد كانَ من عبدةِ الأَوثان، وادَّعى أَنه ابنُ آمون إِله المصريين؟! ".

إِنَّ الفادي يَفتري ويُغالط وَيَتَلاعب، ويتهمُ القرآنَ بما ليسَ فيه، ويَحَمّلُه أَخطاءَ المفسِّرين، ويَنسبُ كلامَ المفسِّرين إِلى القرآن. 

إِنه يَكذبُ في قولِه: " كيفَ يجعلُ القرآنُ إِسكندرَ الأَكبرَ الملكَ اليونانيَّ الوثنيَّ نبياً يُخاطبُه اللهُ ويوحي إِليه؟ ". مع أَنَّ القرآنَ لم يَقُلْ ذلك، وإِنما أَخْبَرَ عن ذي القرنين، ولم يُصَرِّحْ بنبوةِ ذي القرنين، فضلاً عن أَنْ يَقول: إِنَّ ذا القرنين هو الإِسكندر، وإِنه نبيّ!.

إِنَّ الذي قَال بأَنَّ ذا القرنين هو الإِسكندرُ هو البيضاوي ومَنْ معه من المفسرينَ والمؤَرِّخين، وقد أَخْطَؤوا في كلامِهم كما سبقَ أَنْ قَرَّرْنا، فكيفَ يَنسبُ الفادي المفترِي كلامَهم إِلى القرآن، ويَجعلُ خَطَأَهم من أَخطاءِ القرآن؟!.

وبمناسبةِ اتِّهامِه للقرآنِ وتشكيكِه في معلوماتِه، فقد شَكَّكَ في كلامِ القرآنِ عن العينِ الحمئةِ التي وَصَلَها ذو القرنين، وعن السَّدِّ الذي بَناه. قال: " وإِنْ كانت الشمسُ تَغربُ في بئرٍ فهل تَدورُ الشمسُ حولَ الأَرض أَم الأَرضُ حولَ الشمس؟ أَمّا السَّدُّ الذي بَناهُ إِسكندر من زُبَرِ (قِطَعِ) الحَدِيدِ والنحاسِ بين جَبَلَيْن، أحدهما مأهولٌ بأُمَّةٍ صالحة، والآخَرُ بأُمَّةٍ متوحشةٍ، فلا نَجِدُ له أَثَراً ". وقد سَبَقَ أَنْ نَاقَشْنا الفادي في تشكيكِه في غروبِ الشمسِ في عينٍ حمئة، التي أَخبرَ اللهُ عنها في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) .

أَما تشكيكُه في إِخبار القرآنِ عن سَدِّ ذي القرنين بحجةِ أَنَّ السَّدَّ ليس موجوداً؟ فلا وَزْنَ له، لأَنَّ عَدَمَ وجودِ السَّدِّ على الأَرضِ لا يَعْني أَنه لم يُبْ ولم يَكنْ موجوداً من قبل، فمن الراجح عندنا أَنَّ السَّدَّ قد تَمَّ نقضُه وهدمُه،

ولم يَعُدْ له أَثَر، لكننا نوقنُ أَنَّ ذا القرنين بَناهُ بين الجبلَيْن من الحديدِ والنحاس، لأَنَّ اللهَ أَخبرَنا عن ذلك في القرآن.