كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (من هم أصحاب الرَّسِّ؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (من هم أصحاب الرَّسِّ؟)

الوصف

                                                    الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية 

                                                         (من هم أصحاب الرَّسِّ؟)

أَشارَ القرآنُ إِشارةً إِلى أَصحابِ الرّس. قال تعالى: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (٣٨) . وقال تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢)) .

وذهب الفادي إِلى تفسيرِ البيضاوي، ليتعَرَّفَ منه على أَصحابِ الرسّ. ونَقَلَ عنه قولَه: " أَصحابُ الرسّ: قومٌ كانوا يَعبدونَ الأَصْنام، فبعثَ اللهُ لهم " شعَيْباً فكَذَّبوه، فبينما هم حَوْلَ الرَّسِّ (وهي البئرُغيرُالمطويَّة) انهارَتْ، فَخُسِفَ بهم وبديارِهم.

وقيل: الرسُّ: قريةٌ بجهةِ اليَمامة، كان فيها بقايا ثمود، فبُعث هم نبيّ فقَتَلوه، فهَلكوا.

وقيل: الرسُّ: الأُخْدود. وقيل: الرسُّ: بئرٌ بإِنْطاكية، قَتَلوا فيها حَبيباً النجار.

وقيل: هم أَصحابُ حنظلةَ بنِ صفوان النبي، ابْتلاهم اللهُ تعالى بطيرٍ عَظيم، كان فيها من كُلّ لون، وسَمّوها عَنْقاء، لطولِ عُنُقِها، وكانت تسكنُ جَبَلَهم الذي يُقالُ له: فَتْح أَو دمخ، وتنقضُّ على صبيانهم فتخطفُهم إِذا أَعوزَها الصيْد، فدعا عليها حنظلةُ فأَصابَتْها الصاعقة. ثم إِنهم قَتَلوه فأُهلِكوا.

وقيل: هم قومٌ كَذَّبوا نبيَّهم وَرسّوه، أَيْ: دَسُّوهُ في بئر ".

وشَكَّكَ الفادي في هذا الكلام، وهاجَمَ القرآنَ قائلاً: " ونحنُ نسألُ: ما هذه الرسّ؟ وفي أَيِّ بلاد؟ وفي أَيِّ زمن؟ لماذا لم يُوَضّحْ لنا القرآنُ ذلك، إِنْ كانَ للرس وجود؟! 

" الرَّس": مصدر. تقولُ: رَسَّ، يَرُسُّ، رَسّاً. وهو بمعنى الإِدْخال. تقول: رَسَّه. أَيْ: أَدْخَلَه.

ويُطْلَقُ على البئرِ المحفورةِ في الأرض، ولكنَّها لم تُطْوَ، أَيْ: لم تُبْنَ من الداخل.

و"أَصحابُ الرسِّ ": هم قومٌ كانوا يُقيمونَ حولَ بئرٍ مطويّة، غيرِ مبنيةٍ بالحجارة.

فقيل عنهم: أَصحابُ الرسِّ.

ولم يُفَصل القرآنُ الحديثَ عنهم، ولم يَقُصَّ قصتَهم، واكتفى بذكْرِاسْمِهم ضمنَ مجموعةٍ من الأَقوامِ الكافرين السابقين، في سورَتَي الفرقان وق.

فكانت قصةُ أَصحابِ الرسِّ من مبهماتِ القرآن.ولم يَرِدْ حديثٌ صحيحٌ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يتحدثُ عنهم.

ولذلك لا نتحدَّث عنهم، ونكتفي بالإِشارةِ القرآنيةِ المجملة.

ولَسْنا مع البيضاويّ في ما نَقَلَه عنهم، لأَنه كلامٌ لا دَليلَ عليه، فقد ذَكَرَ خمسةَ أَقوالٍ في تَعيينهم، وكلُّها أَقوالٌ ظنية، والتفاصيلُ التي ذَكَرَها من بابِ الإِسرائيليات التي لم تصحّ عندنا، فنتوقَفُ فيها، لا نُصدِّقُها ولا نُكذبُها ولا نَرويها.

وما نقلَه البيضاويُّ في تَعيينِ أصحابِ الرس لا يتحملُه القرآن، فإِنْ كانَ خطأً فيتحمَّلُ مسؤوليتَه الذين رَووه وذَكروه!!.

وتشكيكُ الفادي في وُجودِ أَصحابِ الرسّ اتهامٌ وتكذيبٌ منه للقرآن، وتَساؤُلُه عن مكانِ وزمانِ أَصحابِ الرسّ من بابِ خبثِه ولؤمِه: " لماذا لم يُوَضِّحْ لنا القرآنُ ذلك إِنْ كانَ للرسِّ وُجود؟! ".

إِننا نؤمنُ أَنَّ للرسِّ وجوداً، وأنه كانَ قومٌ من الناسِ مُقيمونَ حولها، نؤمنُ بذلك لأَنَ القرآنَ ذَكَرَ ذلك، وكُلُّ ما وردَ في القرآنِ فهو صادق وصحيحٌ وثابت، لأَنه كلامُ الله.

أَما لماذا لم يُوَضِّح القرآنُ زمانَ أَصحابِ الرسِّ أو مكانَهم، ولم يُفصلْ قصتَهم مع نبيّهم، فإِنَّ هذا يتفقُ مع منهج القرآنِ في حديثهِ عن قَصصِ السابقين.

إِنَّ القرآنَ ليس كتابَ تاريخٍ مُفَصَّل، وحديثُه عن قَصصِ السابقين ليسَ روايةً تاريخيةً فنيةً مفصَّلَة، إِنه لا يذكُرُ من أَخبارِ السابقين إِلّا ما فيه عبرةٌ وعِظَة، وهو يعرضُ من أَخبارِهم ما يُحققُ أَهدافَه من الحديثِ عن قَصصِ

السابقين، وما يَعرضُه يتناسقُ مع السياق الذي وَرَدَ فيه . وهذا مَعناهُ أَنَّ ما وردَ في القرآنِ من أَخبارِ السابقين هو لَقَطاتٌ ومَشاهد ومواقف قليلة، وما لم يوردْه من تَفاصيلِ أَخبارِهم أَكثرُ مما أَورده، وقد تعَمَّدَ القرآنُ إِبهامَ الكثير من تَفاصيلِ حياتِهم، عن تَعَمُّدٍ وقَصْد، لأَنَ اللهَ الحكيمَ العليمَ يَذكرُ للناسِ ما يَحتاجونَ إِليه ويستفيدونَ منه، وما طَواهُ عنهم يَعلم أَنهم لا يَحتاجون إِليه!.المهمُّ أَنَّ ما ذَكَرَه القرآنُ من أَخبارِ السابقين صادقٌ صحيحٌ ثابت،

ولا يُلامُ القرآنُ على ما أَغفَلَه من تفاصيلِ قَصصِ السابقين، إِنما يُلامُ أَوْ يتهم إِذا أَخطأَ فيما أَوردَه من قَصصهم!!.