كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (حول قوم عاد)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (حول قوم عاد)

الوصف

                                                    الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية

                                                            (حول قوم عاد)

أَخْبَرَنا اللهُ في القرآنِ عن قصةِ قومِ عاد، وكُفْرِهم بالله، وتكذيبهم نبيَّهم هوداً - عليه السلام -، ولما أَصَرّوا على كفْرهم وتكذيبهم أَوقعَ اللهُ بهم عِقابَه، حيث أَخَذَتْهم الصيحةُ فقضتْ عليهم وأَهلكَتْهم.

وقد ذُكرتْ قصةُ عادٍ بالتفصيلِ في سور: الأَعرافِ وهودٍ والشعراءِ وفُصِّلت والقمر وغيرها. وفَصَّلَتْ سورةُ الأَحقافِ - قليلاً - العذابَ الذي أَوقعَهُ اللهُ بهم.

قالَ تعالى: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥)) .

وقد اعترضَ الفادي على كلامِ القرآنِ عن قومِ عاد، واعتبرَهُ غيرَ صَحيح، لأَنه لا يتفقُ مع حديثِ العهدِ القديمِ.

وأَخَذَ من تفسيرِ البيضاويِّ تفصيلَ العذابِ الذي أوقعَهُ اللهُ بهم. قال: " قال البيضاوي: هودٌ هو ابنُ عبدِ الله بنِ رباح بنِ الخلودِ بن عاد بن عوص بن إِرَم بن سامِ بن نوح وقومُ عادٍ كانوا يَعْبدونَ الأَصنام، فبعثَ اللهُ إِليهم هُوداً، فكَذَّبوه وازدادوا عُتُوّاً، فأَمسكَ اللهُ المطرَ عنهم ثلاث سنين، حتى جهدَهم وأَنشأَ اللهُ سَحاباتٍ ثلاثاً، بيضاءَ وحمراءَ وسوداء، ثم نادى مُنادٍ من السماء لزعِيمِهم " قِيَلِ بنِ عَثَر ": يا قِيَل! اخْتَرْ لنفسِك وقومِك.فقالَ: اخترتُ السوداء، فإِنها ْأَكْثرهُنَّ ماء!! فخرجَتْ على عادٍ من وادي المُغيث، فاستَبْشروا بها، وقالوا: هذا عارضٌ ممطِرُنا فجاءَتْهم منها ريخ عَقيم، فأَهلكَتْهم.ونجا هود والمؤمنونَ معه، فأَتَوْا مكَّة، وعَبَدوا اللهَ فيها حَتى ماتوا ".

وعَلَّقَ الفادي على كلامِ البيضاويِّ قائلاً: " ولا تذكُرُ التوراةُ أَنَّ نبياً قامَ بينَ نوحٍ وإبراهيم، وتذكُرُ بينَ ذريةِ نوحٍ رَجُلاً اسْمُه عاد، ولا تذكُرُ عقاباً بانقطاعِ المطرِ ثلاث سنوات، إِلَّا في أَيامِ النبيِّ إِيليا ".

وقد سبقَ أَنْ قَرَّرْنا القاعدةَ العلميةَ الموضوعيةَ في التعاملِ مع أَحداثِ الزمن الماضي، وهي أَخْذُها من المصادرِ الإِسلاميةِ الموثوقة، المحصورةِ في الآياتَ القرآنيةِ الصريحة، والأحاديثِ الصحيحةِ المرفوعةِ إِلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وخلاصَةُ ما ذكَرَهُ القرآنُ حولَ قصةِ عادٍ: أَنهم كانوا يسكنونَ في منطقةِ الأَحقافِ في جَنوبِ شرقِ الجزيرةِ العربية، وأَنهم كانوا بعدَ قومِ نوحٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأَنهم كانوا كافرينَ بالله، وكانوا ظَالمين معتدين، أَقوياءَ أشِدّاء.

فبعثَ الله ُ لهم هوداً - صلى الله عليه وسلم - رسولاً، وجَرى بينَه وبينهم جدالٌ ونقاش، وأَصَرّوا على كفرهم، ولما أَوقعَ اللهُ بهم عذابَه أَنجى هوداً - عليه السلام -، والذين آمَنوا معه، وأَرسلَ على القوم الكافِرين ريحاً باردةً شديدةً قويةً عاتية، سَخَّرها عليهم سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أَيامٍ حُسوماً، وأَرسلَ عليهم سَحاباً أَسود، اعترضَ جبالَهم ووديانَهم، فظنّوه سَحاباً ممطراً، واستبْشَروا به، فأَهلكَهم الله.

ولَسْنا مع ما أَوردَه البيضاويُّ من نَسَبِ هودٍ إِلى نوح - عليهما السلام -، لأَنه لا دليلَ عندَنا على هذا النَّسَب، فلم يَرِدْ كلامٌ عنه في حديثِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -

كما أَننا لَسْنا مع البيضاوي في حديثِه عن السحاباتِ الثلاث، وعن اختيارِ زعيمِهم السحابةَ السوداء " لأَنها ممتلئةٌ مطراً.

لا نقولُ إِلا بما قالَ به القرآنُ حولَ هذا العارضِ الذي يَحملُ العذاب: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ)

وإِذا كانَ في كلامِ البيضاويّ ما ليسَ عليه دليل، فإِنَّ القرآنَ لا يتحملُ ذلك، والقراَنُ لا يتحملُ إِلَّا ما ذكَرَه ونَصَّ عليه بصراحة! فاعتراضُ الفادي على القرآن مردود.

وقد أخطأَ الفادي عندما شَكَّكَ في كلامِ القرآن عن قوم عادٍ، واعتبره من أخطاءِ القرآن التاريخية! وهو يَنفي وُجودَ قومِ عادٍ في التاريخ، ويُنكرُ نبوةَ هودٍ - عليه السلام -، والسببُ هو عدمُ حديثِ التوراةِ عن ذلك! وعدمُ حديثِ التوراةِ عن عادٍ لا يَعْني عدمَ وجودِهم في التاريخ، فلم تَذكر التوراةُ كُلَّ شيء من قَصصِ السابقين، وما سكَتَتْ عنه لا يَعني عدمَ وجوده! ثم إِنَّ الأَحبارَ حَرَّفوا التوراةَ وأَضافوا لها كثيراً من مزاعمِهم وأكاذيبهم وأَخطائِهم، فليس كلُّ ما فيها صحيحاً!.

وبما أَنَّ القرآنَ تحدَّثَ عن عادٍ فهو الحديثُ الصحيح، لأَنه هو مرجعُنا المأمونُ الموثوقُ به، ولا وَزْنَ لاعتراضِ الفادي على حديثِه، وتخطئتِه له!.

حول النبي ذي الكفل - عليه السلام - ذو الكِفْلِ نبيّ من الأَنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وقد ذَكَرَهُ القرآنُ ضمنَ الأَنبياء.

قال تعالى: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥)) .

 وقال تعالى: (وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (٤٨)) .

وذَهَبَ الفادي إِلى تفسيرِ البيضاويِّ لينظرَ فيما أَوردَه عن قصةِ ذي الكِفْلِ، ليشكِّكَ في ذِكْرِ القرآنِ له.

قال: " قالَ البيضاويُّ في تفسيرِ سورةِ (ص) : ذو الكِفْلِ ابنُ عَمِّ الْيَسَع، أَوبِشْرُ بنُ أَيّوب، واخْتُلِفَ في نبوتِه ولَقَبِه. فقيل: فَرَّ إِليه مئةٌ من أنبياءِ بني إِسرائيلَ من القَتْل، فآواهُم وكَفِلَهم. وقيلَ: كُفِلَ برجلٍ عملَ صالحاً، وكان يُصَلي كُلَ يومٍ مئةَ صلاة ".

وقالَ البيضاويُّ في تفسيرِ سورةِ الأَنبياءِ: " ذو الكفلِ يَعْني إِلياس، وقيل: يوشع، وقيل: زَكريا، سُمِّي به لأَنه كانَ ذا حَظ من اللهِ تعالى، أَو تَكَفَّلَ أُمَتَه! ".

وجاءَ في بعضِ التفاسير أَنَّ ذا الكفلِ نبيّ من بَني إِسرائيل، وحكايَتُه أَنَّ مَلِكاً أَوحى اللهُ إِليه إِنّي أُريدُ قَبْضَ روحِك، فاعْرِضْ مُلْكَكَ على بَني إِسرائيل، فمنْ تَكَفَّلَ أَنْ يُصَلِّيَ الليلَ ولا يَفْترَ، ويَصومَ النهارَ ولا يُفْطِر، ويَقضيَ بينَ الناسِ ولا يَغْضَب، فادْفَع إِليه مُلْكَكَ، فَفَعَلَ ذلك.

فقامَ شابّ، فقال: أَنا أَتكفَّلُ لك بهذا. فتكفَّلَ وَوَفّى، فَشَكَرَ اللهُ له، ونَبَّأَه.وسُمِّيَ ذا الكفل.. ".

وعَلَّقَ الفادي على ما نَقَلَه بتخطئةِ القرآن، قال: " ولا تَذْكُرُ التوراةُ ذا الكفل، ولكنها تذكُرُ أَنَّ الرجلَ الذي عالَ مئةً من الأَنبياءِ هو عوبديا، وزيرُ الملك أَخْآب، وكان يخشى الرَّبَّ جِدّاً، وخَبَّأَ هؤلاء المئة وَقْتَ أَنْ قَتَلت 

الملكةُ إِيزابلُ أَنبياءَ الرب ".

لم يُفَصل القرآنُ الحديثَ عن ذي الكفل، واكْتَفى بذكْرِهِ ضِمنَ الأَنبياء، وكُلّ ما يتعلَّقُ بنبوَّتِه وقِصَّتِه فهو من مبهماتِ القرآن، التي لا نعرفُ عنها شيئاً، ولا نملكُ الوسيلةَ لبيانِها، وكلُّ ما نقولُه عنه: إِنَ ذا الكفل نبيٌّ من أَنبياءِ بني إِسرائيل.

وهذا مَعْناهُ أَنْ نتوقَفَ في ما حكاهُ البيضاويُّ والمفسِّرونَ الآخرون عن قصته، كما نتوقَّفُ في كُلِّ ما تذكُرُه الإِسرائيلياتُ، فلا نُصَدِّقُه ولا نُكَذِّبُه ، والتوقُّفُ يعني أَنْ لا نذكُرَه ولا نعتمدَه ولا نقولَ به.

أَما منهجُ الفادي المفترِي في النظرِ إِلى ما ذَكَرَهُ القرآنُ، فإِنه منهج خاطئٌ مردود، فهو يُحاكمُ القرآنَ إِلى التوراة، فما وافَقَ التوراةَ صَدَّقَه، وما لم تذكُرْه التوراةُ خَطَّأَهُ وكَذَّبَهُ ورَدَّه. ولذلك لا يَعتبرُ ذا الكِفْلِ نبيَّاً، لأَنَّ التوراةَ لم تذكُرْ ذلك!. ذو الكفلِ في نظر الفادي ليسَ نبياً، والقراَنُ أَخْطَأَ عندما ذَكَرَهُ مع الأنبياء! أَما نحنُ فإِننا نؤمنُ أَنَّ ذا الكفلِ نبيٌّ من أَنبياءِ بني إِسرائيل، لأَنَّ اللهَ أَخْبَرَنا عنه في القرآن، وتَفاصيلُ قِصتِه من مبهماتِ القرآن، ومَنْ أَنكرَ كونَه نبياً فهو كافر بالله لأَنه كَذَّبَ القرآنَ!!.