كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (إدريس وليس أخنوخ)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (إدريس وليس أخنوخ)
118 0

الوصف

                                                   الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية

                                                        (إدريس وليس أخنوخ)

ذَكَرَ القرآنُ إِدريسَ - عَليه السلام - ضمنَ الأَنبياءِ، قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (٥٧))

وقد حاكمَ الفادي - كعادته - القرآنَ إِلى العهدِ القديم، ولَمّا لم يجد اسْمَ إِدريسَ فيه حَكَمَ بتخطئةِ القرآن، والذي في العهدِ القديم هو أخنوخ وليسَ إِدريس.

ونَقَلَ الفادي عن سِفْرِ التكوينِ أَنَّ أَخنوخَ عاشَ ثلاثمئةٍ وخمساً وستينَ سنة، وسارَ أَخنوخُ مع الله، ولم يوجَدْ بعدَ ذلك لأَنَّ اللهَ أَخَذَه. ونقلَ عن البيضاويّ قولَه: " إِدريسُ: هو جَدُّ أَبي نوح، واسْمُه أَخنوخ،

واشتقاقُ إِدريسَ من الدَّرْس، لكثرةِ دُروسِه، إِذْ رويَ أَنَّ اللهَ أَنزل عليه ثلاثين صحيفة، وأَنه أَولُ مَنْ خَطَّ بالقَلَم، ونَظَرَ في علمِ النجومِ والحسابِ (إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (٥٧)) .

يَعْني شرف النبوةِ والزلْفى عندَ الله، وقيلَ: الجنة، وقيلَ: السماءَ السادسةَ أَو الرابعة " واعترضَ الفادي على تسميةِ القرآنِ له بإِدريس، وقال: " ونحنُ نسأَل: مِن أَينَ جيءَ باسمِ إِدريسَ بدل أَخنوخ، فالصوابُ أَخنوخُ وليس إِدريس! ". لا تَجوزُ محاكَمَةُ القرآنِ إِلى الكتابِ المقَدَّس، لما سبقَ أَنْ قَرَّرْناهُ، وقرآنُنا هو المهيمنُ على ما قبلَه من الكُتُب، لأَنَّ الكتبَ السابقةَ مُحَرَّفَة،

والقرآنُ محفوظ. فما ذَكَرَه القرآنُ هو الصواب، والاسْمُ الذي خالَفَ المذكورَ في القرآن هو المرفوض، وبما أَنَّ اسْمَه في القرآنِ إِدريسُ فهذا هو اسْمُه ولا نَدْري من أَينَ جاء مؤلفو سِفرِ التكوين باسم أخنوخ، وهو اسْمٌ مرفوض!. ولَسْنا مع البيضاويِّ في ما ذَكَرَه عن إدريسَ من أَنَّ اسْمَه أَخنوخ، وأَنه جَدُّ أَبي نوح، وأَنه أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بالقلم، ونَظَرَ في علمِ النجومِ والكواكب، وأُنزلَ عليه ثلاثون صحيفة، وأَنه رُفِعَ بجسْمِه إِلى السماءِ، كما رُفِعَ عيسَى - صلى الله عليه وسلم - وهذا الكلامُ من الإِسرائيليات، ولا دليل عليه من حديثِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم.

وأَخبرَ اللهُ أَنه رَفَعَ إِدريسَ مكاناً عليّاً: (إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (٥٧)) . وأَخَذَ بعضُ العلماءِ الكلامَ على ظاهرهِ، وقالوا: رُفِعَ إِدريسُ بجسْمِه وروحِه إِلى السماء، كما رُفِعَ عيسِى - عليه السلام -

وذهبَ آخَرون إِلى أَنَّه لم يُرْفَعْ إِلى السماء، وأَنه ماتَ موتاً طبيعياً، ودُفِنَ على الأَرض، والراجحُ أَنَّ المرادَ برفعِه مكاناً علياً منزلةُ النبوة، ودرجةُ القُربى والكرامةِ عندَ الله، لأَنه صِدّيقٌ نبى - صلى الله عليه وسلم -

وفي زمنِ نبوةِ إِدريس - صلى الله عليه وسلم - خِلافٌ بين العلماء: فمنهم مَنْ ذهَبَ إِلى أَنه كانَ بعدَ آدمَ وقبلَ نوحٍ - صلى الله عليهما وسلم -، كما ذَكَرَ البيضاوي، وعندما يَعُدُّونَ الأَنبياءَ يكونُ هو في الرقمِ الثاني، فيقولون: آدمُ، إدريسُ، نوح، هود، صالح ... وهكذا.

ولعلَّ هؤلاءِ تَأَثَّروا بكلامِ العهدِ القديم، حيثُ ذَكَرَ الأَحبارُ أَنَّ اسْمَه أَخنوخ، وأَنه رُفِعَ بِجِسْمِهِ إِلى السماء، فقالَ هؤلاءِ العلماءُ بقولهم. 

- وذهبَ آخرونَ إِلى أَنَّ نبوةَ إِدريسَ - عليه السلام - متأَخرَةٌ، وأَنه كانَ نبيّاً في بني إِسرائيل، نَقَلَ القرطبيُّ في تفسيرِه عن القاضي أَبي بكر بنِ العربيِّ قولَه: " ومَنْ قالَ: إِنَّ إِدريسَ كان قبلَ نوح، فقد وَهِم!.

والدليلُ على وَهْمِه الحديثُ الصحيحُ في المعراجِ، حينَ لقيَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - آدمَ وإدريس. فقالَ له آدَمُ: مرحباً بالنبيِّ الصالحِ والابنِ الصالح، وقالَ له إدريس: مرحباً بالنبيِّ الصالحِ والأَخ الصالح.

فلو كانَ إِدريسُ أَباً لنوحٍ لقال: مَرحباً بالابنِ الصالحِ والنبيِّ الصالح، ولَمّا قَالَ له إِدريسُ: الأَخ الصالح دَلَّ على أَنه يجتمعُ معه في نوح ونحنُ مع ابنِ العربيِّ والقرطبيّ في أَنَّ إدريسَ مُتَأَخِّر، وأَنه من أَنبياءِ بني

إِسرائيل، ومما يُؤَكِّدُ ما قالَه ابنُ العربي أَنَّ آدمَ وإِبراهيمَ خاطَبا محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالبُنُوَّة، وقالا له: مَرْحَباً بالنبيِّ الصالح والابنِ الصالح.

 بينما خاطَبَهُ الخمسةُ الآخَرون: يوسفُ وموسى وهارونُ وإِدريسُ وعيسى بالأُخُوَّة، وقالوا له: مرحباً بالنبيِّ الصالحِ والأخ الصالح. وبهذا نعرفُ خَطَأَ كلامِ الفادي من أَنَّ إِدريسَ هو أَخنوخ، وأَنه جَدُّ نوح، فما قالَه عنه     القرآن هو الصحيح، وهو من أَنبياءِ بني إِسرائيل المتأَخِّرين.