كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية ( الصلة بين موسى والخضر ومحمد - صلى الله عليهم وسلم)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية ( الصلة بين موسى والخضر ومحمد - صلى الله عليهم وسلم)

الوصف

                                                    الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية

                                      ( الصلة بين موسى والخضر ومحمد - صلى الله عليهم وسلم)

أَخْبَرَنا اللهُ في سورةِ الكهفِ عن أَحداثٍ مثيرةٍ وَقَعَتْ بينَ موسى والخضرِ - عليه السلام - في الآيات من (٦٠) وحتى (٨٢) .

وذَكَرَ رسول اللهِ - عليه السلام - فيما رواهُ عنه البخاريّ ومسلمٌ وغيرُهما بعضَ تفصيلاتِ تلك الأَحداث. وخُلاصةُ قصةِ موسى مع الخضرِ - عليهما السلام - كما ذُكِرَتْ في آياتِ القرآنِ وصحيحِ الأَحاديث: أَنَّ موسى - عليه السلام - وَقَفَ يوماً خَطيباً في بَني إِسرائيل فَقيلَ له: هل أَحَدٌ أَعْلَمُ منكَ؟ فقال: لا!. فعتب اللهُ عليه لأَنه لم يُفَوِّضْ ذلك إِلى اللهِ، ولم يَقلْ: اللهُ أَعلم! فقال اللهُ له: بل هناك مَنْ هو أَعلمُ منك؟ فقال موسى: مَنْ هو يا رَبِّ حتى أَتعلمَ منه؟ قال: إِنه عَبْدُنا الصالحُ خَضر! قال: يا رَبِّ كيفَ السبيلُ إِليه؟ قال: خُذْ حوتاً مُمَلَّحاً في سلَّة، فإِذا فَقَدْتَ الحوتَ وَجَدْتَه في ذلك المكان!!. فطلبَ موسى - عليه السلام - مِن فَتاهُ يوشَعَ بن نون أَنْ يَسيرَ معه، ووضعَ سَمكَةً مشويةً مملَّحَةً في سَلَّة، لتكونَ غداءً لهما، وتَوَجَّها إِلى الخضر. وفي الطريقِ تَعِبا، فَوَجدا صخرةً بجانبِ البَحر، فجلَسا يَستريحانِ عنْدَها، وَوَضَعَ يوشَعُ السلةَ التي فيها السمكةُ المشويةُ بجانبه، وناما وأَحْيَا اللهُ السمكةَ المشويةَ بقدرتِه، فَقَفَزَتْ من السَّلة، وذهبتْ في البَحر. وأَبقى اللهُ مكانَ سيرِها على سطحِ الماءِ كما هو، ليكونَ دَليلاً لموسى وفتاه. ولما استَيْقَظا، تابَعا سَيْرَهُما نحو الخضر، وحَمَلَ يوشَعُ السَّلَّة، ونَسي أَنْ يتفقدَ السمكة فيها.

وبَعْدَ قليلٍ أَحَسَّ موسى - صلى الله عليه وسلم - بالجوع، فطلَبَ من يوشَعَ أَنْ يُجَهِّزَ السمكةَ المشويَّة للغَداء! فلما نَظَرَ في السَّلَةِ لم يَجِدْها! فأَخبرَ موسى أَنها خرجَتْ من السَّلَّةِ عند الصخرة، فعادا إِليها، لأَنَّ الخَضِرَ سيكونُ هناك!. ولما وصلَ موسى الصخرةَ وَجَدَ الخضرَ نائماً على ظهرِهِ، مغطّى بقطيفتِه. فأَلقى عليه السلام، ورَدَّ الخضرُ عليه السلام، وقالَ له: أَنّى بأَرْضِك السَّلام؟.

وعَرَضَ عليه موسى أَنْ يَسيرَ معه ليتعلَّمَ منه، فقالَ له الخضر: إِنَّكَ لن تستطيعَ معيَ صَبْراً، لأَنَّكَ سترى منّي أَشياءَ لا تَصبرُ عليها، فلقد عَلَّمَنِي اللهُ أَشياء، لا علْمَ لك بها، وأَنتَ عَلَّمكَ اللهُ أَشياء، لا علْمَ لي بها.

فاسْتَعَدَّ موسى أَنْ يَصبِرَ على كُلِّ ما يَرى، واشترطَ عليه الخضرُ أَنْ لا يَعترضَ على كُلّ ما سيراه منه، وأَنْ لا يسأَلَه، وأَنْ ينتظرَ منه بيانَ وتوضيحَ ما يَراه .

وسارَ موسى مع الخضر على شاطئ البَحْر، ومَرَّتْ بهما سفينَة، فعرفَ مالكوها الخضر، فأَركبوهما بغيرِ أُجرةٍ إِكْراماً لهما.

ومَدَّ الخضرُ يَدَه فَقَلَعَ لَوْحاً من أَلواحِ السفينة، فاعترضَ موسى - عليه السلام - وقال له: القومُ أَكْرمونا، وأَركبونا في السفينة مَجّاناً، فكيفَ تقابلُ إِكرامَهم بِخَرْق السفينةِ وإِفسادها؟

وإِنَّك بذلك سَتُغْرِقُ أَهْلَها! وذَكَّرَه الخضرُ بالشرطِ الذي اتفقا عليه، فاعتذرَ بأَنه تكلمَ ناسياً الشرط. وسارا في الطريق، وَوَجَدا غُلاماً صغيراً يَلعبُ مع الغلمان، فأَقبلَ عليه الخضرُ وقَتَلَه! فاستغربَ موسى واعترضَ عليه، إِذ كيفَ يقتلُ فتى صغيراً بغير ذنبٍ ارتكبه؟! فذكَّرَه الخضرُ بالشرطِ بينهما، وتَعَهَّدَ موسى بعدمِ الاعتراض، فإِن اعترضَ عليه بعد ذلك فيمكنُه أَنْ لا يُصاحِبَه!.

ووَصَلا أَهلَ قريةٍ بُخَلاء، فطَلَبَا منهم الطعام، فأَبَوْا أَنْ يُضيِّفوهما! وَوَجَدا فيها جداراً على وَشَكِ السقوط، فقامَ الخضرُ بإِصْلاحِه وإِحكام بنائِه، فاعترضَ عليه موسى بأَنه كان الأَولى أَنْ يأخذَ منهم الأَجرة، لأَنهم لا يستحقون الإِكرام!. وبهذا الاعتراضِ الثالثِ فَقَدَ موسى حَقَّه بمصاحبةِ الخضر، وقبلَ أَنْ يُفارِقَه فَسَّرَ له الأَحداثَ الثلاثةَ المثيرة: خَرَقَ السفينةَ لأَنه يُريدُ المحافظةَ عليها، وإِبقاءَها في مُلْكِ أَصحابِها المساكين، فأَمامَهم ملكٌ ظالم غاصب، كُلَّما وَجَدَ سفينةً صالحةً صادَرَها، وعندما يَرى سفينَتَهم مخروقةً سيتركُها لهم. أَمّا الغُلامُ فقد علمَ اللهُ أَنه عندما يكبرُ سيكونُ كافراً، وبذلك سَيُرْهِقُ والِدَيْه المؤمِنَيْن، ولذلك أَمَرَهُ اللهُ بقَتْلِه، وسيُؤْتي اللهُ والدَيْه ابناً آخَرَ أَفضلَ وأَكرمَ وأَرحمَ منه. وأَمّا الجدارُ الذي بَناهُ فقد كانَ لغلامَيْن صغيرَيْن يتيمَيْن، وكانَ أَبوهما الصالحُ قد وَضَعَ لهما كَنْزاً تحتَه، ولو سقط الجدارُ لنهبَ أَهْلُ المدينةِ الكنز، لذلك قامَ الخضرُ بإِصلاحِ الجدار إِكراماً للغلامَيْن اليتيمَيْن وليس إِكْراماً للبخلاء!. وقبلَ أَنْ يُفارقَ الخضرُ موسى أَخبره أَنَّهُ لم يفعلْ ذلك باجتهادِه، لأَنَّه لا يَعلمُ الغيب، وإِنما أَخبرَهُ اللهُ بما سيكون، وأَمَرَهُ بفعْلِه!. هذه خلاصةُ قصةِ موسى مع الخضر - عليهما السلام -، كما وَرَدَتْ في الآياتِ والأَحاديثِ الصحيحة، وهذه القِصَّةُ الصحيحةُ لم تَلْفِتْ نَظَرَ القسيس الفادي، وإِنما ذهبَ إِلى تفسيرِ البيضاوي، وأخذ منه كلمتَيْن، اعتَبَرَهما خطأً من أَخطاءِ القرآنِ التاريخية.

قالَ البيضاوي عن الخضر: " الجمهورُ على أَنه الخضرُ - عليهما السلام -، واسْمُه بليا بن ملكان. وقيل: إِليسع. وقيل: إِلياس ". أَيْ: الخضرُ لَقَب لذلك النبيّ، واسْمُه فيه خِلاف: بليا، أَو إِلياس. أَو: إِليسع.

ولما نَقَلَ الفادي المفترِي كلامَ البيضاويِّ لم يكنْ أَميناً في النقل، وصارَتْ عبارة البيضاوي السابقة عنده: " فَوَجَدَ الخضِرَ، وهو إِيليا النبي "!!. وقالَ البيضاويُّ عن كَنْزِ الغلامَيْن اليتيمَيْن: " وكان تحتَه كَنْز لهما من 

ذهبٍ وفضة وقيل: من كتبِ العلم. وقيل: كان لوحاً من ذهبٍ مكتوب فيه:عجبْتُ لمن يؤمنُ بالقَدَرِ كيف يَحزن؟ وعَجِبْتُ لمن يُؤْمِنُ بالرزقِ كيفَ يَتْعَب؟ وعجبتُ لمن يؤمنُ بالحسابِ كيف يَغْفَل؟

وعجبتُ لمنْ يؤمنُ بالموتِ كيفَ يَفْرَح؟ وعجبتُ لمن يعرفُ الدنيا وتقلّبَها بأَهلها كيفَ يطمئنّ إِليها؟!. لا إِله إلاّ الله، محمدٌ رسولُ الله ... ".