كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية ( هل أشرك آدم وحواء بالله؟)
الوصف
الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية
( هل أشرك آدم وحواء بالله؟)
نَسَبَ الفادي للقرآنِ قولَه بأَنَّ آدمَ وحواءَ أَشركا بالله، وزَعَمَ أَنَّ هذا وَرَدَ
في قولِه تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠)) .
تتحدَّثُ الآيتانِ عن رجلٍ عاشر امرأَتَه، ولما حملَتْ وأَثقلَتْ وأَوشكَتْ على الوضع، توجَّهَتْ هي وزوجُها إلى اللهِ بالدّعاء، وتَعَهَّدا بأَنَّه إِنْ آتاهما وَلَداً صالحاً سَيَكونان من الشاكرين، فلما آتاهُما وَلَداً صالحاً جَعَلا لله شرَكاء.
وَزَعَمَ الفادي أَنَّ هذَيْن الزوجَيْن هما آدمُ وحَوّاء، ونَسَبَ هذا القولَ للمسلمين.
قال: " قالَ مُفَسِّرو المسلمين: لما هبطَ آدمُ وحَوّاءُ إِلى الأَرض، أُلقيت الشهوةُ في نفسِ آدم، فأَصابَ حَوّاء، فحملَتْ من ساعتِها.
فلما ثَقُلَ الحملُ وكَبُرَ الوَلَدُ أَتاها إِبليسُ. قال البيضاوي: أَتاها إِبليسُ في صورةِ رَجُل، فقالَ لها: ما الذي في بطنك؟
قالَتْ: ما أدري. قال: إِنّي أَخافُ أَنْ يَكونَ بهيمةً أَو كَلْباً أو خنْزيراً!. قالَتْ: إِنّي أخافُ بعضَ ذلك. قال: وما يُدريكِ من أَينَ يَخرج، أَمِنْ دُبُرِكِ، أَمْ مِن فَمِك، أَو يشقُّ بطْنك فيقتلك؟ .
فخافَتْ حَوّاء ذلك، وذكرَتْه لآدم، فلم يَزالا في غمٍّ. ثم عادَ إِليها إِبليسُ، فقالَ لها: إِنّي من الله بمنزلة، فإِنْ دعوتُ اللهَ أَنْ يجعلَه خَلْقاً سَوِيّاً مَثْلَك، ويُسَهِّلَ عليكِ خروجَه، تُسَمّيه عبدَ الحارث .
وكان اسْمُ إِبليسَ في الملائكة " حارث " . فذكَرَتْ حَوّاءُ ذلك لآدم. فعاوَدَها إبليس فلم يَزَلْ بهما حتى غَرَّهُما فلما وَلَدَتْ وَلَداً سَمّياهُ عبدَ الحارث.
وقال البيضاوي: في قوله: (جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا) أَيْ: جَعَلا أَولادَهما شُركاءَ في ما آتى أَولادَهما، فَسَمّوه عبد العزى وعبدَ مناف.
" وقالَ في قوله: (فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ) : يَعني: الأَصنام . ويُعلقُ الفادي على الكلامِ السابقِ بقوله: " فمن أَيْنَ جاءَتْ هذه القصةُ الغريبة؟
وأَينَ العُزّى ومَنافُ وآلِهَةُ العربِ من آدمَ في الجنة؟ حتى تكونَ أَصنامُ العربِ آلهةً لآدَمَ يُسَمّي أولادَه بأَسمائِها؟ ".
لم يكن الفادي أَميناً في النقلِ عن البيضاوي، فقد زَعَمَ أَنه أَخَذَ الخرافةَ السابقةَ من تفسيرِ البيضاوي، مع أَنه زاد على البيضاوي ما لم يَقُلْه، وحَذَفَ منه كَلاماً مهمّاً .
والذي ذَكَرَهُ البيضاوي في تفسيره هو: " {هُوَ الذى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة} هو آدم. {وَجَعَلَ مِنْهَا} من جسدها من ضلع من أضلاعها، أو من جنسها كقوله: {جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} {زَوْجَهَا} حواء. {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} ليستأنس بها ويطمئن إليها اطمئنان الشيء إلى جزئه أو جنسه، وإنما ذكر الضمير ذهاباً إلى المعنى ليناسب. {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} أي جامعها. {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا} خف عليها ولم تلق منه ما تلقى منه الحوامل غالباً من الأذى، أو محمولاً خفيفاً وهو النطفة. {فَمَرَّتْ بِهِ} فاستمرت به أي قامت وقعدت، وقرىء {فَمَرَّتْ} بالتخفيف وفاستمرت به وفمارت من المور وهو المجيء والذهاب، أو من المرية أي فظنت الحمل وارتابت منه. {فَلَمَّا أَثْقَلَت} صارت ذات ثقل بكبر الولد في بطنها. وقرىء على البناء للمفعول أي أثقلها حملها. {دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا لَئِنْ ءاتَيْنَا صالحا} ولداً سوياً قد صلح بدنه. {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين} لك على هذه النعمة المجددة.
{فَلَمَّا ءاتاهما صالحا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا ءاتاهما} أي جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما فسموه عبد العزى وعبد مناف على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ويدل عليه قوله: {فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
{أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} يعني الأصنام. وقيل: لما حملت حواء أتاها إبليس في صورة رجل فقال لها: ما يدريك ما في بطنك لعله بهيمة أو كلب وما يدريك من أين يخرج، فخافت من ذلك وذكرته لآدم فهما منه ثم عاد إليها وقال: إني من الله بمنزلة فإن دعوت الله أن يجعله خلقاً مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبد الحرث، وكان اسمه حارثاً بين الملائكة فتقبلت، فلما ولدت سمياه عبد الحرث. وأمثال ذلك لا يليق بالأنبياء!!.
ويُحتملُ أَنْ يكونَ الخطابُ في (خَلَقَكُم) لآلِ قُصَيٍّ من قُريش، فإِنهم خُلِقوا من نَفْسِ قُصَيّ، وكانَ له زوجٌ من جِنْسِه، عربية قُرَشية، وطَلَبا من اللهِ الوَلَدَ، فأَعْطَاهُما أَربعةَ بنين، فسَماهُم: عبدَ مناف، وعبد شمس، وعبد قصي، وعبد الدار.
ويكونُ الضميرُ في (يشركُون) لهما ولأَعْقابِهما المقْتَدينَ بهما.. ". وأَدْعو إِلى المقارنةِ بين كَلامِ البَيضاويِّ في تفسيرِه، والكلامِ الذي زَعَمَ الفادي أَنه للبيضاويِّ في تفسيرِه، لمعرفةِ الفرقِ بينهما، والوقوفِ على تَلاعُبِ الفادي وعَدَمِ أَمانتِه!.
يقولُ البيضاويُّ في معنى قوله تعالى: (فَلَمَّا ءاتاهما صالحا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا ءاتاهما) أي جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما فسموه عبد العزى وعبد مناف على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ويدل عليه قوله: (فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ) .
ومعنى كلامِ البيضاويِّ أَنه إِذا كان ضَميرُ المثَنّى يَعودُ على آدمَ وحَوّاءَ في قولِه: (دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا) فإِنَّ فاعلَ " جَعَلا " في الحقيقةِ لا يَعودُ على آدَمَ وحَوّاء، وإنما يعودُ على أَولادِهما المشركين، والسياقُ من بابِ حَذْفِ المضافِ وإقامةِ المضافِ إِليه مَقَامَه، والتقدير: جَعَلَ أَولادُهما لله شركاء.
والدليلُ على هذا عند البيضاوي. إِسنادُ فعْلِ (يشركُون) بعدَ ذلك إِلى الجمعِ وليسَ إِلى المثَنّى، فقالَ: (فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ) .
ولو كان المشركان هما آدمَ وحَوّاءَ لكانَ الفاعلُ مثنى، ولقال: فتعالى اللهُ عما يشركان!!. وقد حَرَّفَ الفادي المفترِي كَلامَ البيضاوي، ليجعَلَه دَليلاً له على تخطئةِ القرآن .
عبارةُ البيضاوي: " جعلَ أَولادُهما له شركاءَ فيما آتى أَولادَهما، فسمّوهُ عبدَ العُزّى وعبدَ مناف " صارتْ عند المفترِي؟ " وقال البيضاوي: أَي: جَعَلا أَولادَهما، شركاءَ فيما آتى أَولادَهما.
وفرقٌ بَعيدٌ بين الجملتَيْن. فالبيضاويُّ يُصرحُ بأَنَّ الذينَ جعلوا للهِ شركاءَ هم أَولادُ آدم وحواء، واتهمَ المفترِي البيضاويَّ بأنه يرى أَن آدَمَ وحَواءَ هما اللَّذان جَعلا للهِ شركاء!!.
ومن افتراءِ المفترِي الفادي افتراؤُه على البيضاويِّ بأَنه يعتقدُ صحةَ قصةِ إِبليس مع حواءَ وعبد الحارث، مع أَنَّ البيضاويَّ لا يرى صحةَ القصةِ الموضوعة التي ذَكَرَها.
بدليلِ أَنه بدأَ القصةَ بالفعلِ الماضي: " قيل ". وهذه صيغةُ تَضعيف، كما قَرَّرَ العلماء. القصة، وهو تعقيبٌ مهمٌ، لأَنه يُبَيِّنُ رفْضَ البيضاويِّ للقصة، لمعارضتِها لعصمةِ الأَنبياء؟
وهو قوله: " وأَمثالُ ذلك لا يليقُ بالأَنبياء ... "!. كما أَنَّ الفادي المفترِي لم يَذكر الاحتمالَ الثاني الذي أَوردَه البيضاويّ في تحديدِ الشخصَيْنِ المشركَيْن، لأَنه يَنقضُ ويَرُدُّ اتهامَه لآدمَ وحَوَّاء بَالشّرْك،
والاحتمالُ الذي أَوردَه البيضاويُّ أَنَّ الخطابَ يُمكنُ أَنْ يكونَ لآلِ قُصَيّ: (هُوَ اَلَّذِى خلقَكُم) ، وعليه يكونُ المرادُ بالزوج وزوجه قُصيٌّ وامرأَتُه، اللَّذان سَميا أَولادَهما بعبدِ شَمْسٍ وعبدِ مَناف .
إِنَّ هذا التصرفَ الشائِنَ والتلاعُبَ المرذولَ من الفادي المفترِي يدلُّ على فقدانِه الأَمانةَ العلمية فيما ينقلُه من كلام، يَنسبُه للعلماء والمسلمين ليوافِقَ هواه، ويُحَرِّفَهُ عن معناه!! وأَدعو إِلى الشَّكِّ في كلِّ ما يَنقلُهُ الفادي وأَهْلُ ملَتِه من أَقوالٍ ينسبونَها للمسلمين، وإذا أحالوا على كتابٍ لعالِمٍ مسلم، وزَعموا وُجودَ الكلامِ فيه، فأَدْعو إِلى العودةِ المباشرةِ إِلى الكتابِ الإِسلامي، وسوفَ نَجِدُ فَرْقاً بَعيداً بين الكلامِ في الكتابِ الإِسلاميِّ وبين الكلامِ المنقول منه!! وبهذا نَعرفُ تَخَلي اليهودِ والنصارى والمستشرقين عن الأمانةِ العلمية في بحوثهم العلمية!!. وخلاصَةُ هذه المسألة: ما ذَكَرَهُ بعضُ المفَسّرين المسلمين والإخباريين المؤرخين من حوارٍ بين حَوّاءَ وإِبليسَ انتهى بها إِلى أَنْ أَشركَتْ هي وآدمُ بالله، عندما سَمَّيا مولودَهما الأَولَ عبدَ الحارث - أَيّ: عبدَ إبليس - هذا كلام مخُتَلَق مكذوب موضوع، لم يصحّ ولم يثبتْ.
فآدمُ وحَوّاءُ لم يُشْرِكا بالله، ولم يُسَمِّيا ابنَهما عبدَ الحارث. وتتحدثُ الآياتُ عن زوجَيْنِ متأخِّرَيْن من أَبناءِ آدم، قد يكونانِ من العرب أَو من العجم أَو من غيرِهم، عاهَدا اللهَ أَنْ يُؤْمِنا به ويَشْكُراه، إِنْ آتاهما وَلَداً صالحاً، فلما آتاهما صالحاً نَقَضا العهد، وأَشْرَكا بالله. وأَبْقَت الآياتُ قصةَ الزوجَيْنِ مبهمة، لم تُبَيِّنْ من تَفاصيلِها شيئاً، أَبهمتْ اسْمَي الزوجَيْن وزَمانَهما ومَكانَهما، وتفاصيل حملِ المرأةِ وولادتِها، وتفاصيلَ الشركِ بالله! وهذا كلُّه لا نَخوضُ فيه، لأَنه لا دليلَ عليه. المهمُّ أَنُّ آدمَ وَحَوَّاءَ لم يُشركا بالله، والبيضاويُّ لم يَنْسبْ ذلك لهما،وكان الفادي مفترياً كاذباً في زَعمِه ونقْلِهِ عن البيضاوي.
ولم يُخطئ القرآنُ في حديثِه عن زَوْجَيْنِ مشركَيْنِ بالله، لأَنَّ هذه الآياتِ تنطبقُ على كلِّ زوجَيْنِ مشركَيْنِ، مهما كان زَمانُهما ومَكانُهما!.