كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (هل نجا فرعون من الغرق؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (هل نجا فرعون من الغرق؟)

الوصف

                                                   الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية 

                                                    (هل نجا فرعون من الغرق؟)

اعتبرَ الفادي القرآنَ مُتَناقضاً في حديثهِ عن نهايةِ فرعون، وهذا التناقضُ خَطَأٌ، يَطعنُ في صحةِ القرآنِ!! أَخبرَ القرآن أَنَّ اللهَ أَغرقَ فرعونَ في الماءِ.

قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠)) .

وأَخبرَ القرآنُ أَنَّ اللهَ أَنجى فرعونَ من الغرق؛ كما فهمَ القِسيسُ الفادي. وذلك في قوله تعالىْ (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (٩٢)) .

فهل أَخطأَ القرآنُ في حديثِه عن نهايةِ فرعون؟ وهل تناقَضَ في إِخبارِه عن غرقهِ؟. لقد كانَ كلامُ القرآنِ عن غرقِ فرعونَ وجنودِه واضِحاً صَريحاً مُحَدَّداً.

فلما لحقَ فرعونُ وجنودُه موسى - صلى الله عليه وسلم - وأَتْباعَه، أَمَرَ الله - عز وجل - موسى أَنْ يَضرِبَ البَحْرَ بعَصاه، وشَقَّ لهم طَرِيقاً في البَحْرِ يَبَساً، ولما لَحِقَهم فرعونُ وجنودُه أَطْبَقَ اللهُ عليهم البحر، فأَغْرَقَهم جميعاً.

قالَ اللهُ - عز وجل -: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (٧٩)) .

إن الضمير " هم " في قوله: (فَغَشِيَهُمْ) يعود على فرعون وجنوده.وهذا تصريح بأن فرعون وجنوده أغرقوا جميعاً.

وقال - عز وجل -: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦)) .

وقال تعالى: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠)) .

 ومن بابِ التأكيدِ على وفاةِ فرعونَ غَرَقاً نَصَّ القرآنُ على ذلك.

قال تعالى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (٩٢)) .

لقد أُتِيَ القِسّيسُ الفادي من قِبَلِ جَهْلِه وغَفْلَتِه وغبائِه، فَفَهِمَ الآيَةَ فَهْماً خاطِئاً، وخَرَجَ مِنها بغيْرِ ما سيقَتْ له! فَهِمَ من جملة: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) أَنَّ اللهَ أَنجى فرعونَ من الغرَق، وخَرَجَ من البحرِ

حَيّاً، وعادَ إِلى مملكتِه ليُواصِلَ حُكْمَها!! وهذا فَهْمٌ خاطئٌ للآية. تُقَرّرُ الآيةُ غَرَق فرعونَ وموتَه، وتَصِفُ اللحظاتِ الأَخيرةَ من عمرِفرعون، قبلَ خُروجِ روحِه تحتَ الماء.

ومعنى (فلما أدركه الغرق) : لما أَحاطَ به الغَرَق من كلِّ جانب، وأَتاهُ من كُلِّ مكان، من تحتِه وفوقِه، وعن يَمينِه وشِمالِه، ورأى الموتَ بعينَيْه، وأَيْقَنَ بالهلاك.

عند ذلك أَعلنَ إِسلامه وإِيمانَه بالله، وصَرَّحَ قائلاً: (آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠)) .

ومن المعلومِ أَنَّ الإِيمانَ عند " الغرغرة " قُبيلَ خُروجِ الروحِ غيرُ مقبول، ولذلك رَدَّ عليه مَلَكُ الموتِ المكلَّفُ بقبضِ روحِه قائلاً: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١)) ؟

وهذا معناهُ أَنَ إِيمانَ فرعونَ لم يَقْبَلْه الله. وقُبيلَ قبض روحِ فرعون وهو تحتَ الماءِ قالَ له المَلَك: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) .

وليس معنى جملة: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) : اليومَ ننقذكَ من الغَرَق ، ونخرجُك حيّاً من تحتِ الماء.

إِنَّ مَعْناها: عندما تَخرجُ روحُك، ويُصبحُ جسمُك جُثَّةً هامدة، لن نتركَ بَدَنَكَ يَسقطُ في الماءِ إِلى قاع البحر، ولَنْ نَجعلَ بَدَنَك طَعاماً لحيتانِ البحرِوأَسْماكِه - وبالذاتِ سمكُ القرشِ المفترسِ الذي يملأُ البحرَ الأَحمر - وإِنما

سَنُنَجّي بَدَنَك الهامِدَ الذي خرجَتْ منه الروح، وسنأمُرُ الحيتانَ أَن لا تَأكُلَه، وسنَأْمُرُ الماءَ أَنْ يحملَك، وسنأمُرُ الموجَ أَنْ يُلْقِيَكَ على الشاطئ، وسيكونُ بَدَنُك ناجياً هامداً، وسيكونُ مُلْقى على الشاطئ، وسيكونُ آيةً لِمَنْ خَلْفَك، وهم الأَحياءُ من جنودِك وقومِك، فعندما يُشاهدونَ بَدَنَكَ جثةً هامدة سيَعرفونَ أَنكَ لَسْتَ إِلهاً كما زَعَمْتَ، وإِنما أَنْتَ بَشَرٌ مخلوفٌ ضعيف، والأَصْلُ أَنْ يَعْتَبِروا ويَتَّعِظوا بذلك!.

وبهذا نعرفُ أَنَّ القرآنَ لم يُخطئْ في حديثِه عن فرعون، ولم يَقَعْ في تَناقُض، والْتَقَتْ آياتُه على تقريرِ حقيقةِ موتِ فرعونَ غَرَقاً، والاحتفاظِ بجثَّتِه، لتكونَ آيةً لمن خَلْفَه!!.