كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (هل كان هامان وزيراً لفرعون؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية (هل كان هامان وزيراً لفرعون؟)

الوصف

                                                    الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية 

                                                    (هل كان هامان وزيراً لفرعون؟)

فرعونُ ": لَقَبٌ يُطْلَقُ على مَنْ حكمَ مصرَ زمنَ موسى - صلى الله عليه وسلم - وقد أَخبرَ القرآنُ أَنَّ وزيرَ فرعونَ الأَولَ اسْمُه " هامان ".

قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (٨)) .

وقال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٣٨)) .

وقال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦))

ويَعترضُ الفادي على هذا، ويعتبرُه خَطَأً تاريخيّاً فى القرآن، لأَنَّ هامانَ كان وَزيراً للملكِ الفارسي.

قالَ: " يَقولُ القرآنُ: إِنَّ هامانَ كانَ وزيرَ فرعون بينما يُثْبِتُ التاريخُ أَنَّ هامانَ كانَ وزيراً لأَحْشَويرش، وأَنَّ بينَ فرعونَ وهامان زهاءَ أَلْفِ سَنة! ثم إِنَّ فرعونَ كان ملكَ مصر، وكان هامانُ وزيراً في بابل! وما أَبْعَدَ الزمانَ والمكانَ بينَ فرعونَ وهامان، فكيفَ يكونُ هذا وَزيراً لذاك؟! ويَقولُ سِفْرُ أَستير في التوراة: إِنَّ هامانَ كان وزيراً وخليلاً لأَحْشويرش ملكِ الفرس، الذي يَدْعوهُ اليونانُ زَرْكيس! "

يَرى الفادي أَنَّ هامانَ لا يُمكنُ أَنْ يكونَ وزيراً لفرعون، للفرقِ بينهما في الزمانِ والمكان، ففرعونُ كانَ زَمَنَ موسى - صلى الله عليه وسلم -، وهامانُ كان وزيراً للملكِ " أَحشويرش "، وذلك بعدَ حوالي أَلْفِ سنة من وفاةِ فرعون!!.

وأَخَذَ الفادي معلوماتِه من سِفْرِ أَستيرَ في العهدِ القديم، وهو السّفْرُ الذي كَتَبَه أَحبارُ اليهود، وسَجَّلوا فيه التفاصيلَ المثيرةَ لاستيلاءِ اليهودِ على الحكمِ في بلادِ فارس، وإِبادةِ خصومِهِم من الفرسِ الوطنيّين. 

وخلاصَةُ سِفْرِ أَستيرَ أَنَّ " هامانَ " كانَ وزيراً عند الملكِ الفارسيِّ أَحشويرش، وكان اليهوديُّ " مردخاي " يَعملُ عند الملِك، وحصلَ نزاعٌ بينَ هامانَ الفارسيِّ ومردخاي اليهودي، وتمكنَ مردخايُ من توصيلِ ابنةِ أَخيه الفاتنةِ " أَسْتير " إِلى الملك، حيثُ تزوجَها، وتمكَّنَ هامانُ من إِقناعِ الملكِ بإِصدارِ أَمْرِه بقتْلِ اليهودِ في الدولةِ الفارسية، لما يقومون به من إِفسادٍ وتخريب..

لكنَّ الملكةَ أَستير وعَمَّها مردخاي تمكَّنا من إِلغاءِ الأَمْرِ الملكيّ السابق، وإِصدارِ أَمْرٍ مَلَكي آخر، بإِبادةِ مَنْ كانوا مع هامان، وقَتَلَ الملكُ وزيرَه هامان، وقَضى على رجالِه، وانتصرَ اليهودُ في صراعِهم مع الفرسِ 

الوطنيين، وتحكَّموا في الدولةِ الفارسيةِ إِلى حين، وخَلَّدَ الأَحبارُ اليهودُ مؤامرةَ أَستير، بأَنْ جَعَلوها أَحَدَ أَسفارِ التوراة.

ونحن نتوقَّفُ في قَبولِ أَخبارِ سِفْرِ أَستير، فلا نُصدقُها ولا نُكَذّبُها، وهذا موقفُنا من أَخبارِ وأَحداثِ العهدِ القديم ورواياتِ الإِسرائيليات، الذي أَرشدَنا إِليه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حيثُ قال: " إِذا حَدثَكم بنو إِسرائيل، فلا تُصَدِّقوهم ولا تُكَذِّبوهم، فإِنكم إما أَنْ تُصَدِّقوا بباطِل، وإِمّا أَنْ تُكَذِّبوا بحَقّ "!. 

ومعلومٌ أَنَّ أَحبارَ اليهودِ هم الذين أَلَّفوا وصاغُوا وكَتَبوا أَسفارَ العهدِ القديم، وأَنَّهم مَلَؤُوها بالافتراءِ والكذبِ والادعاء، ونَسَبوها إِلى اللهِ زوراً وبُهتاناً، فهم ليسوا أُمناءَ على التاريخ، وليسوا صادقين فيما يوردونَه من أَخبارٍ وأَحداث! ولذلك نتوقَّفُ في قَبولِ كَلامِهم، فلا نُصَدِّقُه ولا نُكَذّبُه!.

وَهَبْ أَنَّ ما وردَ في سِفْرِ أَستيرَ صَحيح، وأَنَّ وَزيرَ أَحشويرش اسْمُه هامان، فلا يَلزمُ من ذلك أَنْ يكونَ هامانُ وزيرُ مَلِك فارس هو هامان وزيرَ فرعونَ ملكِ مصر! إِنَّ هذا مستحيل، لوجودِ فترةٍ زمنية طويلة بينهما قد تَزيدُ على أَلْفِ سنة!.

إِنهما وزيران، كلٌّ منهما اسْمُه هامان: 

هامانُ الأَول: وهو الذي أَخْبَرَ عنه القرآن، وكانَ الوزيرَ عند فرعون، الذي يحكمُ مصرَ باسْمِه، ويُنَفِّذُ أَوامِرَه.

وهامان الثاني: وهو الذي وَرَدَ الكلامُ عنه في سِفْرِ أَستير، وكانَ وزيراً عند ملك الفرس.

وبينَ الوزيرين بُعْدٌ في المكان، وبُعْدٌ في الزمان. وبهذا يَسقطُ اعتراضُ الفادي، الناشئُ عن جهلِه وغبائِه، فوجودُ هامانَ الثاني عند ملكِ الفرس لا يُلغي وُجودَ هامانَ الأَولِ عند فرعون.

ومعلومٌ أَن تِكرارَ الأَسماءِ أَمْرٌ موجودٌ في حياةِ الناس، لا ينكرهُ عاقل!!.