تصويبات في فهم بعض الآيات - نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا)
الوصف
نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم
(أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا)
قال تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
تقرر هذه الآية حكم المحاربين للخليفة المسلم، الخارجين عليه، الذين يعلنون الحرب على المسلمين، وتبين الحد الذي يوقعه بهم، وهو الذي أسماه الفقهاء والمفسرون " حَدّ الحرابة ".
إن الحكم فيهم: أن من ظفر به الإمام منهم فيقتله، أو يصلبه، أو يقطع يديه ورجليه، أو ينفيه من الأرض.
وهناك خلاف بين المفسرين في هذه العقوبات وإيقاعها بالمحاربين، وخلاف في معنى " أو ":
١ - قال بعضهم: هي عاطفة، فيوقع بهم الإمام العقوبات مجتمعة، فيقتل ويصلب ويقطع الأيدي والأرجل.
٢ - وقال آخرون: إنها تخييرية، بحيث يكون الإمام مخيراً في العقوبة التي يوقعها بهم، واختيار نوع العقوبة تحدده مصلحة الجماعة المسلمة من جهة، ودرجة خطورة هؤلاء المحاربين من جهة أخرى.
وما نرجحه هو أن هذه العقوبات مرتبة على حسب الجناية. فمن قَتل ولم يأخذ مالاً قُتل، ومن أخذ المال ولم يقتل قُطع، ومن قَتل وأخذ المال قُتل وصُلب، ومن أخاف السبيل ولكنه لم يأخذ مالاً، نُفي من الأرض.
وهذا الحكم في المحاربين، يخطئ فيه بعض المعاصرين، حيث يطبقه على الدعاة، وهذه الآية يستشهد بها بعض المعاصرين، على وجوب إيقاع حد الحرابة على هؤلاء الدعاة، ويبيحون لأعدائهم قتلهم وصلبهم وشنقهم وتعذيبهم.
لقد كثر في العصر الحاضر المحاربون لله ولرسوله ولدينه -وبخاصة من المتحكمين والمترئسين والمتنفذين في بلدان المسلمين- بحيث أقصوا شرع الله وهجروا دينه، وطبقوا على الناس شرع الجاهلية، فضلوا وأضلوا، وذلوا وأذلوا، وفسدوا وأفسدوا.
ويقوم مسلمون عاملون ودعاة مصلحون ينشرون دين الله ويدعون إليه، وينكرون المنكرات وينصحون ويُذكِّرون. فيتعرضون بسبب هذا إلى بطش الحاكمين وظلمهم، وبغيهم وانتقامهم.
فيحاربونهم ويعذبونهم، ويطلقون عليهم أشنع النعوت، ويصفونهم بأقبح الصفات، ويثيرون ضدهم أسوأ الإشاعات والدعايات.
فيعتبرونهم خارجين على الطاعة والنظام، وهم من ثَمّ مخربون مفسدون مدمرون، إرهابيون ضالون مضلون.
محاربون لله ولرسوله، وللإمام ونظامه، فيأخذونهم ويعذبونهم ويقتلونهم ويشنقونهم.
وينبري موظفون في الدولة من أصحاب الوظائف الإسلامية الرسمية، فيباركون للحاكمين أفعالهم، ويجعلون لها سنداً شرعياً، ويصدرون لهم فتاوى إسلامية، يجيزون لهم فيها ما فعلوه ضد الدعاة والمصلحين، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويجعلون الحق باطلاً والباطل حقاً.
ويعتمدون على هذه الآية في فتاويهم وتبريراتهم، فيحرفون معناها ودلالتها وحكمها، ويقتلون الدعاة بها، ويدينونهم من خلالها.
وهم يعلمون أنهم كاذبون محرِّفون ضالون مضلون، لكنه التلاعب بالدين، والتزلف للسلاطين، والتحريف لكلام رب العالمين، والركون إلى الظالمين.
أما الذين تنطبق عليهم الآية، وأما المحاربون الذين تصفهم الآية، والحكام الذين تُحرّم الآية الخروج عليهم، فقد اخترنا -في بيان ذلك- كلاماً للإمام الشهيد سيد قطب، باعتباره ممن عاش هذه المأساة، واصطلى بنار تلك الفتنة، وأصابته الفتاوى الظالمة، والتحريفات الباطلة، وحُكم عليه بالإِعدام، اعتماداً على حكم الآية في المحاربين، حيث اعتبره الضالون من البغاة المحاربين.
وحدود هذه الجريمة التي ورد فيها النص، هي الخروج على الإِمام المسلم، الذي يحكم بشريعة الله، والتجمع في شكل عصابة، خارجة على سلطان هذا الإِمام، تعتدي على أهل الإسلام، وتعتدي على أرواحهم وأموالهم وحرماتهم.
وهؤلاء الخارجون على حاكم يحكم بشريعة الله، المعتدون على أهل دار الإسلام المقيمين للشريعة، لا يحاربون الحاكم وحده، ولا يحاربون الناس وحدهم، إنما هم يحاربون الله ورسوله، حينما يحاربون شريعته، ويعتدون على الأمة القائمة على هذه الشريعة، ويهددون دار الإسلام المحكومة بتلك الشريعة.
كما أن للنص -في صورته هذه- مفهوماً آخر متعيناً لهذا المفهوم، هو أن السلطان الذي يحق له -بأمر الله- أن يأخذ الخارجين عليه بهذه العقوبات المقررة لهذه الجريمة، هو السلطان الذي يقوم على شريعة الله ورسوله، في دار الإسلام المحكومة بشريعة الله ورسوله، وليس أي سلطان آخر، لا تتوافر له هذه الصفة، في أية دار أخرى لا يتوافر لها هذا الوصف.
نقرر هذا بوضوح، لأن بعض أذناب السلطة في كل مكان، كانوا يُفتون لحكامٍ، لا يستمدون سلطانهم من شريعة الله، ولا يقومون على تنفيذ هذه الشريعة، ولا يحققون وجود دار إسلام في بلادهم، ولو زعموا أنهم مسلمون. كانوا يُفتون لهم بأنْ يأخذوا الخارجين عليهم بهذه العقوبات، باسم شريعة الله، بينما كان هؤلاء الخارجون لا يحاربون الله ورسوله، بل يحاربون سلطةً خارجةً على الله ورسوله. إنه ليس لسلطة لا تقوم على شريعة الله في دار الإسلام، أن تأخذ الخارجين عليها باسم شريعة الله، وما لمثل هذه السلطة وشريعة الله، إنها تغتصب حق الألوهية وتدّعيه، فما لها لا تتملك بقانون الله وتدعيه ".