تصويبات في فهم بعض الآيات - نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا)

تصويبات في فهم بعض الآيات - نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا)

الوصف

                                                   نماذج لآيات حرَّفوا معناها: تصويبات في مفاهيم

                                                           (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا)

قال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}.

الحديث في هذه الآية عن جهنم، حيث يجعل ورودها لجميع الناس. فما من إنسانٍ إلا سيرد جهنم، مسلماً كان أو كافرا.

وقد فهم بعض الناس أن الورود في الآية معناه الدخول في جهنم.

فقالوا: ما من إنسان -مسلماً كان أو كافراً- إلا سيدخله الله جهنم ويعذبه فيها. وينتقل هؤلاء من هذا الفهم المغلوط لمعنى الورود ولمعنى الآية، إلى تشكيك الصالحين بجدوى وفائدة وثمرة صلاحهم وعبادتهم وطاعتهم، ويزعمون لهم أنها لا تنفعهم يوم القيامة، بل يكونون معهم في نار حهنم. فالكل معذّب، صالحٌ وطالح، مطيعٌ ومذنبٌ، فلماذا يُتعبون أنفسهم في الدنيا بالعبادة والمجاهدة والتقوى؟، ولماذا لا يكونون مثل العصاة والمذنبين طالما سيكونون معهم في نفس المصير؟.

إن هذا فهمٌ مغلوطٌ، وتحريفٌ لمعناها، ودليل الجهل المرذول الذي وقع به هؤلاء: قول الله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}.

فعند قراءة الآية الثانية -التي تقرر معنى الآية الأولى، وتبين المراد منها- نعلم أن المتَّقين ناجون، وأنهم غير معذبين، وغير داخلين في جهنم. بل المعذَّبون هم الظالمون الذين يتركهم الله في جهنم " جِثِيّا ".

هذا أمرٌ. وأمرٌ آخر: إن الورود ليس معناه دخول جهنم، بل معناه المرور عليها. المرور على الصِّراط المستقيم الذي يُنصب على شفيرها. فيجتاز المسلمون الناجون هذا الصّراط إلى جنة الله، بينما يمرّ عليه الكافرون والعصاة فيهوون عنه إلى جهنم -والعياذ باللهِ-.

روى مسلم في صحيحه عن أم مبشر الأنصارية رضي الله عنها: أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول عند حفصة: لا يدخل النار - إن شاء الله - من أصحاب الشجرة أحد -الذين بايعوا تحتها- قالت: بلى يا رسول الله. فانتهرها. فقالت حفصة: {وَإنْ مِنْكُمْ إِلّا وارِدُها}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قال الله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}.

وروى الترمذي عن السدي قال: سألتُ مُرَّةَ الهمداني عن قول الله تعالى: {وَإنْ مِنْكُمْ إِلّا وارِدُها}، فحدَّثني أن عبد الله بن مسعود حدّثهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَرِدُ الناس، ثم يصدرون عنها بأعمالهم، فأولهم كلمح البرق، ثم كالريح، ثم كحُضر الفَرَس، ثم كالراكب في رحله، ثم كشَدِّ الرجُل، ثم كمشيه ".

وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - " ثم يُضْرب الجسر على جهنم. وتحِل الشفاعة. ويقولون: اللهم سلِّم، سلِّم. قيل: يا رسول الله. وما الجسر؟

قال: دَحْضٌ مُزِلّة، فيه خطاطيف وكلاليبٌ وحَسَك، تكون بنجدٍ فيها شُويكة، يقال لها " السَّعْدان " غير أنه لا يعلم ما قدْر عِظَمِها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم الموبَق بعمله، ومنهم المُجازَى حتى ينجو. فيمرّ المؤمنون كطَرْف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب. فناجٍ مُسَلَّم، ومخدوشٌ مرسل، ومكدوسٌ في نار جهنم ".

قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث، والأقسام الثلاثة هنا: " إنهم ثلاثة أقسام: قسم يَسْلم فلا يناله شيء أصلاً. وقسم يُخدش ثم يُرسل فيُخلص، وقسم يُكردس وُيلقى فيسقط في نار جهنم ".

وقال الإمام النووي في موضعٍ آخر، من شرحه على صحيح الإمام مسلم: " اعلم أن مذهب أهل السنّة، وما عليه أهل الحق من السلف والخلف، أن من مات موحداً، دخل الجنة قطعاً على كل حال.

فإن كان سالماً من المعاصي، كالصغير والمجنون والذي اتصل جنونه بالبلوغ، والتائب توبةً صحيحةً من الشرك أو غيره من المعاصي، إذا لم يُحدث معصية بعد توبته، والموفّق الذي لم يُبتل بمعصيةٍ أصلاً.

فكل هذا الصنف يدخلون الجنة، ولا يدخلون النار أصلاً. لكنهم يَردونها على الخلاف المعروف في الورود.

والصحيح أن المراد به المرور على الصراط، وهو منصوبٌ على ظهر جهنم، أعاذنا الله منها ومن سائر المكروه ".