تصويبات في فهم بعض الآيات - الرسول - صلى الله عليه وسلم - يبيِّن معنى المجازاة بالسوء
الوصف
تصويبات في فهم بعض الآيات
الرسول - صلى الله عليه وسلم - يبيِّن معنى المجازاة بالسوء
روى مسلم والترمذي والنسائي والبيهقي وابن أبي شيبة وابن المنذر وسعيد بن منصور وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " لما نزل قول الله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} " شق ذلك على المسلمين، وبلغت منهم ما شاء الله، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " سدِّدوا وقاربوا، فإن في كل ما أصاب المسلم كفارة، حتى الشوكة يُشاكها، والنكبة يُنكبها ".
وفي لفظ ابن مردويه: لما نزلت بكينا وحزنَّا. وقلنا: يا رسول الله: ما أبقت هذه الآية من شيء! قال: أما والذي نفسي بيده إنها لكما نزلت، ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا. إنه لا يصيب أحداً منكم مصيبةٌ في الدنيا إلا كفَّر الله بها خطيئة، حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه.
وروى أحمد والحاكم وأبو يعلى وابن المنذر وابن جرير عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله: كيف الصلاح بعد هذه الآية: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}، فكل سوء جُزينا به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا أبا بكر: ألست تَنصَب؟ ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللَّأواء؟ قال: بلى. قال: فهو ما تُجزون به.
وروى البخاري ومسلم وأحمد وابن أبي شيبة عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما يصيب المؤمنَ من وَصَب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن، حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته ".
وروى البخاري ومسلم وأحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها ".
نأخذ من هذه الروايات كيف كان الصحابة الكرام عليهم الرضوان، يتفاعلون مع آيات القرآن ويفهمون نصوصه، ويستقبلونها، ويتعاملون معها بكيانهم كله ومشاعرهم جميعها.
فهذه الآية: {مَنْ يَعْمَلْ سوءاً يُجْزَ بِهِ}، تقرر أن من يعمل سوءاً يُجزى به، وقد خاف الصحابة منها على حياتهم وأعمالهم ولهذا قالوا: كيف الصلاح بعدها؟ وما نفع العمل بعدها؟.
ونأخذ من هذه الروايات اعتراف الصحابة بأنهم قد يعملون سوءاً، وقد يقعون في مخالفات، وأنهم غير معصومين، وتواضعهم أمام ربهم، وشعورهم بتقصيرهم، وعدم تكبرهم، وعدم اغترارهم بصحبتهم وأعمالهم، لنقتدي بهم في هذا الاعتراف والشعور.
لقد حمل الصحابة المجازاة على السوء التي تقررها الآية على الحساب الأخروي، وعلى التعذيب في النار يوم القيامة، وفهموا منها أن كل من أذنب ذنباً في الدنيا سيعذب به يوم القيامة، ولهذا لن ينجو أحد من المسلمين من النار، حتى ولو كان أبا بكر الصديق أو أحد المبشرين بالجنة من الصحابة.
ولقد وضَّح لهم رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام معنى المجازاة، وبيَّن لهم أنها تكون في الدنيا لمن أراد الله به الخير، وتكون على صورة كفارة، تتمثل في الحزن والمرض والهمّ والغمّ والنصب والتعب، وكل مصائب الدنيا، وما أكثرها، وما أكثر ما تصيب الإنسان.
ونأخذ من هذه الآية التي هي أخوف آية من كتاب الله -كما قالت عائشة رضي الله عنها- سنة ربانية لا تتخلف: من عمل شيئاً جوزي به، فمن عمل خيراً جوزي به خيراً، ومن عمل سوءاً جوزي به شراً، وأنه لا محاباة عند الله، ولا تبديل لسنته، ولا رادَّ لأمره.