مفاتيح التعامل مع القرآن- من مفاتيح التعامل مع القرآن ( ٢٥ - معرفة الرجال بالحق)
الوصف
من مفاتيح التعامل مع القرآن
٢٥ - معرفة الرجال بالحق
إن ما قررناه فى القاعدة السابقة يقود إلى هذا المفتاح والمقياس والميزان، إن قارئ القرآن عليه أن يتمتع «بملكة نقدية» أثناء نظره فى التفاسير واطلاعه على أقوال أصحابها .. فلا يقبل على كل ما فيها مهما كان، باسم احترام صاحبه وتوقيره، وباسم علم السابقين وفقههم وإدراكهم، ومن نحن حتى نرفض لهم شيئا، أو نرد لهم قولا؟
إننا لا نتحدث هنا عن احترام العالم المفسر وتوقيره، والنظر له بعين الإكبار والإجلال والتقدير، لأننا نعتقد أن هذه بدهية مقررة، تمثل حقيقة دائمة يجب استحضارها دائما، وعدم مفارقتها أو مخالفتها لحظة واحدة ..
وهى سبب أساسى للحصول على رحمة الله ونعمته فى التعليم والإدراك والتلقى، ومن فقد هذا السبب وتخلى عن هذا الشرط، فإنه محروم من هذه الفيوضات والفتوحات والمنح والعطايا الربانية .. فلا يجوز بحال أن يطيل القارئ لسانه على أحد العلماء السابقين، أو أن يقع فى علمه ودينه، ويتهمه فى نيته وعقيدته، ويجهله فى علمه وعقله وتفكيره، ويلغى كل نتاجه العلمى نتيجة لخطأ أو أخطاء وقع بها.
حديثنا هنا عن تعامل القارئ مع العالم المفسر- الذى يحكمه إجلاله وإكباره وتقديره واحترامه له- وهو أن يقرأ فى نتاجه قراءة فاحصة، وأن ينظر فيه نظرة نافذة متوازنة، وأن يملك حاسة نقدية عادلة، وذلك بأن يعرض كلامه على الحق الأصيل المتمثل فى الكتاب والسنّة. وأن يزنه بميزانه ويقيسه بمقياسه، وأن يعرفه من خلاله، ويحكم عليه على هديه، فما وافق ذلك الحق قبله ورضيه وأخذ به ودعا لصاحبه، وما خالف ذلك الحق رفضه وألقاه، مع التقدير والاحترام والدعاء لصاحبه أيضا، وهذه النظرة تمثل الاتزان الإسلامى، والوسطية الإسلامية، والعدالة فى الأخذ والرد والسلب والإيجاب .. لأن أخذ كل ما صدر عن العالم بدون نظر أو تمحيص ظلم وجهل .. ورفض كل ما صدر عنه لخطأ غير مقصود وتجريحه واتهامه وتجهيله، ظلم وجهل كذلك، والقارئ البصير يتجرد عن الأمرين وينزه نفسه عنهما ..
كما أنه لا يقبل من قارئ أن يردد قولا ليس عليه دليل من القرآن أو السنّة، ويتبناه لأنه قال به أحد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم. كأن يقول: هذا قول ابن مسعود رضى الله عنه، أو قول ابن عمر أو ابن عمرو رضى الله عنهم، أو قول ابن عباس رضى الله عنهما .. فقد تصح نسبة هذا القول إلى الصحابى أولا، وإذا صحت نسبته له فهل الصحابة معصومون؟ كلا. إنهم قد يخطئون وهم صحابة، وتبقى منزلتهم سامية. إن فهم الصحابة للقرآن تحكمه كذلك نصوص القرآن، فلا نقبل منهم ما تعارض مع القرآن- إن وجد- ولا نأخذ عنهم فى تفصيل ما أجمله القرآن وتبيين ما أبهمه، من أنباء الغيب وقصص السابقين، ما لم يصح عندنا أنه أخذ فى هذا عن المعصوم عليه الصلاة والسلام .. فكل أحد يؤخذ من كلامه ويرد إلّا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ونحن يجب علينا أن نعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال، وفهمهم تابع للنص محكوم به، وليس مقيدا له حاكما عليه ..عند ما نطبق هذه القاعدة على نتاج السابقين فكم سنترك من أقوال؟ وكم سنلغى من صفحات؟ وكم سنرفض من تفصيلات وشروحات؟ وكم سنعدم من أساطير وخرافات وموضوعات؟ ..