مفاتيح التعامل مع القرآن- من مفاتيح التعامل مع القرآن (٢١ - العودة المتجددة للآيات والزيادة فى معانيها)
الوصف
من مفاتيح التعامل مع القرآن
٢١ - العودة المتجددة للآيات والزيادة فى معانيها
القرآن غنى فى معانيه ودلالاته، والآيات تنشر على القارئ من معانيها ودلالاتها حسب حالته فى التعامل معها، ودرجة استعداده فى التلقى عنها .
وهذا القرآن لا يعطى القارئ إذا كان قاعدا عن العمل به والحركة به والجهاد به، إنه لا يفتح كنوزه إلّا لمن يتحرك به، ولا ينشر ظلاله إلّا على من يقبل عليه، ولهذا لا بد للقارئ من سلوك الطريق المضمونة الصحيحة لفهمه والتعامل معه، واستخراج كنوزه ومعانيه وحقائقه .وما نريد بيانه هنا للقارئ أن عليه ملاحظة أن مكتسباته من القرآن، وثمرات رحلته معه، ونتائج حياته فى ظلاله، وحصيلته من علومه وحقائقه وتقريراته، تنمو وتزداد باستمرار، ويضاف إليها الجديد المفيد، والجزيل الجميل .
وحتى يحقق هذا، لا بدّ من مراعاة قواعد الإقبال عليه واستخراج كنوزه ومفاتيح التعامل معه، ولا بدّ أن تكون له عودة للآيات التى عاشها.
يستخرج الجديد من معانيها، ويزيد رصيده السابق منها .. وأن يتبعها بعودة أخرى وثالثة ورابعة وهكذا، بمعنى أن تكون عودته للآيات متجددة مكررة، وأن تكون وقفاته أمامها وتأملاته فيها كذلك متجددة متكررة.
على القارئ أن يعيش القرآن، وأن تتجدد مذاقاته وحياته من الحياة به، وأن يكتشف المزيد والجديد من الحقائق المعاشة والمقررات الثابتة . عليه أن ينظر فى رصيده من هذه الحقائق والمعانى والمقررات، وأن يحرص على تنميتها وزيادتها، بدل أن تنقص وتضعف وتذوى وتتلاشي ..
إن القارئ فى هذا الأمر أمام إحدى حالات ثلاث:
الأولى: أن يكتشف أن رصيده من المعانى والتوجيهات القرآنية قد نقص عن السابق، وأن عودته الثانية للآية لا تقارب أو تدانى قراءته الأولى لها، وأن ما يجده الآن منها أقل بكثير مما وجده فى أول مرة، وأن ما حصله منه يتناقص ويتناقص، وهو فى طريقه إلى الزوال والنفاد .. فإذا كان كذلك فهو محجوب عن القرآن ولا بد أن يسعى إلى الحياة به من جديد.
الثانية: أن يكتشف أن رصيده كما هو لم يتغير بزيادة أو نقصان، وأن المعلومات بقيت عنده كما هى، وأنه عاجز عن أن يضيف إليها الجديد، أو أن يرفدها بالمفيد .. وهذا كذلك محجوب عن القرآن، وما سبق تحصيله منه تجمد وتحجر، وأنه قد أسن وتغير، وأنه محاصر فى زنزانة القعود والفتور والضعف والمعصية، ومعنى هذا أن حياة العلم والتدبر والفهم عنده جامدة، وأن حركته به متوقفة، وأن نموه العلمى والإيمانى بقى عند حالة واحدة عجز عن تجاوزها .. وعلى هذا القارئ أن يسعى إلى بث الحياة فى معلوماته ومكتسباته، وإلى أن يضيف إليها روحا جديدا ونورا جديدا ومعانى جديدة .. وذلك عن طريق توثيق صلته بالقرآن وحسن تعامله معه وإقباله عليه وتلقيه عنه ..
الثالثة: أن يكتشف أن رصيده قد ازداد، وأن هذه العودة الثانية
أو الرابعة قد أضافت له الجديد المفيد، وأمدته بالجزيل الجميل، وأنه يقف منه على معان جديدة لم يكن قد حصلها سابقا، وعلى حقائق وتقريرات وظلال لم يكن قد لاحظها أو عاشها .. فهذا هو الموفق فى صلته بالقرآن، وهو الحى بالقرآن، وهو المتحرك بالقرآن، وهو رجل القرآن .. إن رصيده القرآنى يتضاعف، وإن معلوماته تزداد، وإن صلته به تتوثق، وإن حياته به ومعه تنمو وتتجدد .. فليحمد الله على ذلك، وليسأل الله المزيد ..