مفاتيح التعامل مع القرآن- من مفاتيح التعامل مع القرآن ( ٣ - ملاحظة المهمة العملية الحركية للقرآن)

مفاتيح التعامل مع القرآن- من مفاتيح التعامل مع القرآن ( ٣ - ملاحظة المهمة العملية الحركية للقرآن)

الوصف

                                                    من مفاتيح التعامل مع القرآن

                                            ٣ - ملاحظة المهمة العملية الحركية للقرآن

على القارئ البصير للقرآن أن يلحظ ويلاحظ المهمة العملية الحركية للقرآن، ويقوده إلى هذه الملاحظة المفتاحان السابقان «النظرة الكلية الشاملة» و «الالتفات إلى الأغراض الأساسية» فعند ما يحسن استعمال ذينك المفتاحين فسيتعرف على مهمة هذا القرآن ورسالته، وهى عملية حركية واقعية ..

إن أوضح سمة من سمات القرآن هى «الواقعية الحركية» وهى مفتاح التعامل مع هذا القرآن وإدراك مراميه وأغراضه، وفقهه وفهمه وتدبره- كما يقول الشهيد سيد قطب فى ما أوردناه له- وهذه الواقعية الحركية هى التى تحدد «المهمة العملية الحركية» للقرآن الكريم، وتوضح رسالته الجدية الواقعية فى الحياة ..

لقد وصف الله كتابه وصفا عجيبا، يدل دلالة واضحة على مهمته العملية، الحركية، حيث أخبرنا عن كتابه بأنه حكيم! فقال: (يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢)) [يس: ١ - ٢]، وقال: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤)) [الزخرف: ٤]، والحكمة من صفات العقلاء، ولهذا القرآن صفات العقلاء، إنه على حكيم، يربى بحكمة، ويتصرف بحكمة، ويقود الأمة بحكمة، ويؤدى مهمته ورسالته بحكمة ..

بهذه الحكمة القرآنية عمل القرآن ما عمل فى حياة الصحابة، وبهذه المهمة العملية الحركية أخرج الصحابة إخراجا من العدم إلى القيادة، ومن الموت إلى الحياة، وبهذه السمة «الواقعية الحركية» كان القرآن حاضرا هناك وعاملا حيا، وموجها رائدا .. أدرك الصحابة الكرام- الجيل القرآنى الفريد- هذه السمة، والتفتوا إلى هذه الحكمة، ولاحظوا هذه المهمة، فصنعوا الأعاجيب فى حياة البشرية ..

ولا بد أن نلاحظ نحن هذه المهمة القرآنية فى حياتنا وواقعنا، وأن نتفاعل مع الحكمة القرآنية، وأن نتدبر الواقعية الحركية فيه، حتى نحسن الأخذ عنه والحركة به ..

وحتى ننجح بهذا لا بدّ من ردم الحاجز السميك بين قلوبنا وبين القرآن، وإزالة الفجوة العميقة بيننا وبين القرآن، وتطهير القلوب مما علق بها من غشاوات وأكنة وتلبيسات وشهوات، حالت بينها وبين أنوار القرآن .. لا بدّ أن نخطو نحن نحو القرآن، وأن ندخل فى عالمه الرحيب، ندخل فيه بكامل كياننا الإنسانى، ونتلقى عنه بكافة أجهزة التلقي والاستجابة فينا، ونقف منه على مهمته العملية الحركية الواقعية، ونلحظها فى كل سوره وآياته وعندها سنرى القرآن حيا فاعلا، وحكيما موجها، وقائدا مربيا، وسيخرجنا بإذن الله إخراجا مباركا، وينشئنا تنشئة رائدة، ويوصلنا إلى مركز القيادة والريادة والأستاذية للإنسانية.

كل آيات القرآن توحى بمهمته العملية الحركية، وتشير إلى واقعيته الحركية الجدية، وتنبض بمظاهر الحياة والحيوية فيه .. من ذلك قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: ١١٠].

فالأمة الإسلامية أخرجت للناس إخراجا من العدم، انبثقت من بين نصوص القرآن، وولدت ميلادا جديدا فى محضن القرآن، ونمت وترعرعت وعاشت فى ظلال القرآن .. وبهذا كانت خير أمة، ومن هى الأمة التى تقاربها فى هذه الخيرية فضلا عن أن تساويها أو تتفوق عليها؟؟ وهل المسلمون اليوم يتمتعون بهذه الخيرية؟ ويؤدون هذه الوظيفة، ويسبقون العالم إلى الرّيادة والقيادة؟ الجواب معروف، والسر هو فى نظرتها للقرآن، وتعاملها معه، وصلتها به ..

كم سيربح القارئ للقرآن ويستفيد، وما هى الحصيلة الوافرة الثرية من المعلومات والتوجيهات والحقائق والإيحاءات التى سيخرج بها عند ما يقرأ نصوصا للقرآن، وهو يستخدم هذا المفتاح «المهمة العملية الحركية للقرآن»، وهو يدرك هذه السمة «الواقعية الحركية للقرآن»! ندعوه إلى أن يقرأ هذه الآيات- على سبيل المثال- بهذا

الاعتبار:

(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠)) [البقرة: ١٢٠].

(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨)) [آل عمران:١٣٧ - ١٣٨].

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)) [المائدة: ١٠٥].

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧)) [الأنعام: ١١٢ - ١١٧].