مفاتيح التعامل مع القرآن- من مفاتيح التعامل مع القرآن (٢ - الالتفات إلى الأهداف الأساسية للقرآن)

مفاتيح التعامل مع القرآن- من مفاتيح التعامل مع القرآن (٢ - الالتفات إلى الأهداف الأساسية للقرآن)

الوصف

                                                     من مفاتيح التعامل مع القرآن

                                               ٢ - الالتفات إلى الأهداف الأساسية للقرآن

ومما يرتبط بنظرة القارئ للقرآن نظرة كلية شاملة، التفاته إلى الأهداف الأساسية للقرآن، فإن دقة وصوابية النظرة- كما بيناها فى المفتاح الأول- تقود إلى حسن التعامل مع القرآن وفهمه وتدبره، وتطلع القارئ على أغراض القرآن الأساسية وأهدافه الرئيسية ومقاصده العامة .. وإذا ما التفت القارئ إلى هذه الأهداف فإنه سيسعى إلى تحقيقها فيه وفى من حوله ..

ويخطئ كثير من المسلمين فى تسجيل أغراض القرآن وأهدافه، حيث يسجلون له أغراضا وأهدافا ثانوية فرعية، أو لا يريدها القرآن ولا يهدف لها بحال ..

نزل القرآن للأموات وليس للأحياء عند بعضهم، فلا يلتفتون إليه إلّا عند ما يموت الميت، فتصدح أجهزة التسجيل فى البيوت بالقرآن لعدة أيام، ويحضر القراء إلى البيوت والمقابر فى مناسبات الموت وذكريات الموتى، وتوقف الإذاعة إرسالها العادي وتقصره على بث القرآن عند موت زعيم أو حاكم .. أما أن يتعامل الأحياء مع القرآن، ويبحثوا عن أغراضه وأهدافه ليحققوها فيهم وفى مجتمعاتهم، فهذا ما لم يفكر فيه هؤلاء.

ونزل القرآن عند بعضهم للبركة، حيث يحولونه إلى حجب وتمائم ورقى يضعونها على الأجساد أو البيوت أو السيارات، استحضارا للبركة ودفعا للضرر، ويفتتح هؤلاء كلماتهم ومؤتمراتهم ولقاءاتهم وجلساتهم واحتفالاتهم وإذاعاتهم بآيات من القرآن، من باب التيمن والتبرك، وتعطير الأجواء بذكره، أو من باب العرف والعادة واستغفال الشعب ودغدغة عاطفته الدينية، وإيهامه أنهم مع القرآن ومن جنوده وخاصته وأهله ..

ولكنهم لا يريدون أن يفتحوا للقرآن نفوسهم ومشاعرهم وقلوبهم وكيانهم ليحييهم بما فيه من حياة، ولا يريدون أن يفتحوا له مؤسساتهم ومناهجهم ووزاراتهم

وتشريعاتهم لتتحول إلى هدى ورحمة وعدل .. ولا يريدون أن يفتحوا له مجتمعاتهم وشعوبهم لتتحول إلى رسل خير ودعاة إصلاح، وسادة وأساتذة لبنى الإنسان ..

فما هى الأهداف الأساسية للقرآن، حتى نقف عليها فى كل آياته وسوره، وحتى ندع لهذا القرآن الفرصة ليحققها فينا وفى مجتمعاتنا وفى واقعنا وحياتنا.

١ - الهداية إلى الله سبحانه وتعالى: الهداية الرشيدة الأصيلة الهادفة القاصدة الواصلة، الهداية الشاملة للفرد بكل كيانه ومشاعره وأحاسيسه وجوانب حياته، والهداية الشاملة للأمة بكل أفرادها ومرافقها ومجالاتها وحياتها، والهداية الشاملة للإنسانية كلها إلى ربها سبحانه وتعالى.

قال تعالى: (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: ٩]، فالهداية فى الآية عامة شاملة، والحياة القيمة التى يدعو إليها كذلك عامة شاملة.

وقال تعالى: (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)) [الشورى: ٥٢]، فالقرآن روح ولن يهدى إلّا ذو روح، والقرآن نور والله هو الذى يهدى بهذا الروح، ويهدى بهذا النور، وهو الذى كلف رسوله عليه الصلاة والسلام ليهدى بهذا القرآن إلى صراط الله المستقيم، وهو الذى كلف كل مؤمن مهتد بهذا الهدى القرآنى أن ينتقل إلى الآخرين ليهديهم إلى ما اهتدى هو إليه ..

وقال تعالى: (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦)) [المائدة: ١٥ - ١٦].

٢ - إيجاد الشخصية الإسلامية المتكاملة المتوازنة: يكاد يوجدها من العدم، ويلتقطها من الواقع الجاهلى الآسن، الذى تضيع فيه النفوس وتفنى فيه العقول وتعطل فيه المدارك والحواس والمذاهب .. يلتقطها من هناك ثم يبدأ معها بسهولة ويسر وتأن وتدرج وملاحظة وتعهد .. يغرس الإيمان فى هذه النفس، ويضيء لها جوانب حياتها بالنور الهادى، وينمى لها الخير والصلاح فيها، ويوظف لها ما وهبها الله من قدرات ومواهب وطاقات توظيفا نافعا خيرا، ليحقق الهدف والغاية، ويمدها بالوسائل والمناهج التى تعينها على رسالتها وتساعدها على الاستمرار فى أدائها، ويضع فى يديها من القواعد والأسس ما يمكنها من العطاء والإبداع ..

وقد نجح القرآن نجاحا بارزا فى تحقيق هذا الهدف فى حياة الصحابة الكرام، الذين كان الواحد منهم قرآنيا، يعيش بالقرآن وفيه وله، كما أنتج فى العصور اللاحقة رجالا قرآنيين فى صفاتهم الإسلامية القرآنية .. والنماذج المعاصرة من هؤلاء الرجال موجودة وافرة تتوزع رقعة شاسعة من عالمنا المعاصر .. وما زال القرآن جاهزا وقادرا بإذن الله على العطاء والإخراج، ومستعدا لأداء هذا الهدف وتحقيق هذا الغرض، بشرط أن يلحظ القارئ فيه هذا، وأن يلتفت إليه، وأن يحسن التعامل معه والتلقى عنه، وأن يتجاوب معه فى الإيجاد والتنشئة والتربية ..

٣ - إيجاد المجتمع الإسلامى القرآنى الأصيل: وهو المجتمع المكون من الأفراد القرآنيين- الذين أنشأهم القرآن- بناء هذا المجتمع على منهج القرآن وأسسه ومبادئه وتوجيهاته، وإرساء أسس هذا المجتمع ومناهج حياته، وتزويده بكل ما يحتاجه من هذا كله .. وعند ما ينبثق المجتمع من نصوص القرآن، ويعيش فى ظلال القرآن، وينمو فى جو القرآن، ويتقلب فى أنوار القرآن، يكون مجتمعا حيا حياة عزيزة كريمة حرة سعيدة، وإلّا فهو مجتمع ميت يجتر آلامه ومآسيه، ويتجرع ذله وجبنه وهو انه كل لحظة ..

لقد أوجد القرآن مجتمع الصحابة الأول- المجتمع القرآنى الرائد الفريد- وهو قادر على إيجاد المجتمعات وبنائها وتعاهدها إذا صدقت فى الإقبال عليه والتفاعل معه والحياة به ..

٤ - قيادة الأمة المسلمة فى معركتها اللازمة مع الجاهلية من حولها: مع أعدائها المتربصين بها، الذين لا يرقبون فيها إلّا ولا ذمة، ولا يتركون فى حربها أسلوبا ولا وسيلة .. فالقرآن يأخذ بيد هذه الأمة إلى ميدان المعركة، ويوقفها فيه، ويمدها بوسائل النصر وأسلحة القتال وأساليب الجهاد، ويعرفها على سبب شن الأعداء الحرب عليها، وعلى هدفهم من حربها، وعلى اجتماعهم على قتالها، وعلى استخدامهم كل ما يقدرون عليه لإفنائها، وعلى شخصياتهم ونفسياتهم، وعلى أساليبهم ومكائدهم، وعلى مكرهم ومراوغتهم، وعلى شبهاتهم ودعاياتهم، وعلى أسلحتهم وأدواتهم .. ويضع أيديها على عدة النصر وزاد الطريق وقوة المواجهة، بحيث يربطها بحبل ربها ويوثق صلتها بإسلامها .. فتخرج من معركتها المفروضة عليها- بقيادة القرآن وتوجيهاته وهدايته- منتصرة عزيزة حرة كريمة .. وهذا ما فعله القرآن مع الصحابة الكرام فى جهادهم، وهذا ما فعله مع المسلمين عند ما أقبلوا وسعوا إلى تحقيق هذا الهدف.

وهو ما زال مستعدا وجاهزا وقادرا بعون الله، فأين المجاهدون المقبلون عليه؟ الحاملون له؟ المتحركون به؟ المواجهون للأعداء من خلاله وعلى هديه؟؟

قال تعالى: (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢)) [الفرقان: ٥٢].

وهذا توجيه ربانى للرسول عليه الصلاة والسلام، وللأمة من بعده، أن تجعل القرآن الكريم أداة ووسيلة تستعين بها فى جهاد الكفار، وتعتبره السلاح الأول والأساسى والفعال فى هذا الجهاد ..