مفاتيح التعامل مع القرآن- من مفاتيح التعامل مع القرآن (١ - النظرة الكلية الشاملة للقرآن)
الوصف
من مفاتيح التعامل مع القرآن
١ - النظرة الكلية الشاملة للقرآن
القرآن كتاب شامل، ومنهاج حياة متكامل، وله مهمة واقعية مطردة، وطبيعة حركية حية، ورسالة حضارية عاملة، ووجود وتأثير مستمرين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..
وعلى القارئ الذي يريد أن يحسن التعامل مع القرآن، والتلقى عنه، والتأثر به، أن يحسن نظرته له أولا، فإن الزاوية التى ينظر منها، والمنظار الذى ينظر من خلاله، والصورة التى يرسمها له، والمهمة التى يتوقعها له، إن لهذه الأمور كلها ارتباطا مباشرا فى كيفية التعامل مع القرآن ..
بعض الناظرين إلى القرآن والمتعاملين معه والقارئين له ينظر له نظرات جزئية فرعية هامشية ثانوية .. فهو كتاب للشفاء والتعاويذ والرقى عند بعضهم، وهو كتاب شامل للعلوم والمعارف والثقافات عند آخرين، وهو كتاب تضمن أرقى أساليب البيان والبلاغة والفن عند فريق ثالث، وهو كتاب حوى من أخبار الماضين وقصص السابقين وأحوال العالمين، وهو كتاب للفقه والأحكام، واللغة والآداب، والفكر والخيال .. وهو كتاب مبارك للبركة والتيمن، وبعد هذا كله مجال للأجر والثواب، حيث لقارئه عشر حسنات بكل حرف من حروفه .. إلخ.
ونحن لا ننكر وجود هذا كله فى القرآن، وشموله له، وإشارته إليه، ولا يجوز لنا أن نفرغه من هذه الأمور .. لكن توفر هذه الأشياء فيه شيء، وأن نقصر نظرتنا له عليها فقط شيء آخر .. إننا لو فعلنا ذلك فسنفرغه من محتواه، ونعطله عن دوره ومهمته، ونقع فى خطأ النظرات الجزئية الناقصة ..
وبعض الباحثين فى القرآن يقسمه إلى موضوعات، ويبحث عن مفرداته وعباراته، وإشاراته إلى كل موضوع منها، فهذا يبحث عن قصص القرآن، والآخر عن غيوبه، والثالث عن علومه، أو عن تشريعاته أو إشاراته إلى التاريخ أو علم النفس أو الإدارة أو الثقافة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو غير ذلك، ومنهم من يبحث فى مصطلحاته ومفرداته كالصبر والصلاة والتقوى والخلافة والدعاء والحكم والجهاد .. وغير ذلك، ومنهم من يحاول تصنيف سوره وآياته وفهرستها وبيان ما تضمنته من موضوعات وعلوم ومعارف ..
وهذه جهود طيبة خيرة، وأصحابها مثابون إن شاء الله- على حسب نياتهم فيها- لكنها لن تكون كاملة متكاملة شاملة، ولن تلم بالموضوع من كافة أطرافه أو تحيط به من كل جوانبه، حيث سيفوت أصحابها الكثير من اللمحات والإشارات واللفتات القرآنية للموضوع الذى يبحث أحدهم فيه .. وإلقاء نظرة فاحصة على نتاج هؤلاء فى هذا المجال كافية للخروج بهذه الحقيقة .. ولا يفهم من كلامنا إلغاء العمل والبحث فى هذه الموضوعات، وعدم جدوى أو صواب أو صحة ذلك، وإعدام تلك الكتب والأبحاث والدراسات!!! فهذا لا بد منه، ولكن نحب أن تكون عند هؤلاء الباحثين وعند القارئين لنتاجهم ودراساتهم هذه الحقيقة، وهى أن القرآن الكريم عملاق ضخم، عملاق فى طبيعته، وفى مهمته، وفى رسالته، وفى إعجازه، وفى علومه وموضوعاته، وفى مناهجه ونظمه وتشريعاته، وفى كل ما حواه وأشار إليه .. عملاق ضخم تستحيل تجزئته، ويصعب تقسيمه.
النظرة الكلية الشاملة للقرآن هى المفتاح الأول للتعامل معه، وهى المنطلق الأساسي لفهمه وتدبره والتلقى عنه، وسيجد فيه هذا الناظر البصير ما يبحث عنه الآخرون من موضوعات وأمور جزئية جانبية، يجدها فى أثناء التعامل معه، فتكون نظرات ثانوية مكملة لهذه النظرة، ومتممة لها، تزيدها مكاسب وعلوما ومعارف ..
وعلى القارئ للقرآن الذى يريد النظرة الكلية الشاملة له، أن ينظر فى الآيات التى تعرض صفاته وسماته، والتى تشير إلى طبيعته ورسالته ومهمته، ثم يلتفت إلى نظرة الصحابة له- نظرة كلية شاملة- ليعرف كيف يتعامل معه ويعى عنه. ويستطيع أن ينطلق من حديثنا فى ما سبق من هذا الكتاب، عند ما عرضنا حديث القرآن عن القرآن، وكلاما لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنه، وعبارات لصحابة وتابعين فى وصفه.