نداءات الرحمن لأهل الإيمان _ النداء الواحد والخمسون ( حرمة دخول المشركين الحرمين الشريفين )

نداءات الرحمن  لأهل الإيمان  _  النداء الواحد والخمسون   ( حرمة دخول المشركين الحرمين الشريفين )
450 0

الوصف

 النداء الواحد والخمسون 
حرمة دخول المشركين الحرمين الشريفين

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ (التوبة: 28-29). 

  * موضوع الآيات: 

في حرمة دخول المشركين الحرمين الشريفين، ووجوب منعهم من ذلك، ووجوب قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية.

  *  معنى الكلمات: 

 (نَجَسٌ): أي ذو نجس، وذلك الخبث أرواحهم بالشرك. 

 (الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ): قيل المراد به مكة، وقيل الحرم. 

 (بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا): عام تسع من الهجرة. 

 (عَيْلَةً): أي فقرًا وحاجة. 

 (مِن فَضْلِهِ): عطائه وفضله، وقد أغناهم بالفتوح والجزية. 

 (لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآَخِرِ): أي إيمانا صحيحًا يرضاه الله تعالى لموافقة الحق والواقع. 

 (وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ): أي كالخمر والربا وسائر المحرمات. 

 (وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ): أي الإسلام، إذ هو الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه. 

 (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ): أي اليهود والنصارى. 

 (الْجِزْيَةَ): أي الخراج المعلوم الذي يدفعه الذمي كل سنة. 

 (عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ): أي يقدمونه بأيديهم، لا ينيبون فيه غيرهم، وهم صاغرون، أي أذلاء مناقدين لحكم الإسلام. 

  * سبب النزول:

نزول قول الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان المشركون يجيئون إلى البيت، ويجيئون معهم بالطعام يتجرون فيه، فلما منعوا من أن يأتوا البيت، قال المسلمون: من أين لنا الطعام؟ فأنزل الله: ( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ) وذلك ليكون تعلقهم بالله سبحانه دون غيره، فهو الذي بيده كل شيء سبحانه. 

وأخرج ابن جرير الطبري وأبو الشيخ ابن حيان الأنصاري عن سعيد ابن جبير قال: لما نزلت (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) شق ذلك على المسلمين، وقالوا: من يأتينا بالطعام والمتاع؟ فأنزل الله (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) ... الآية. 

  * المناسبة:

لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا رضي الله عنه أن يقرأ على مشركي مكة أول سورة براءة، ونبذ إليهم عهدهم سَنَةَ تِسْعٍ من الهجرة، وأن الله بريء من المشركين ورسوله. قال أناس: يا أهل مكة ستعلمون ما تلقونه من الشدة, لانقطاع السبل وفقد الحمولات. فنزلت هذه الآية لدفع هذه الشبهة، ولضرورة تعلق العبد بالله سبحانه في السراء والضراء. 

*  المعنى الإجمالي:

يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) .... الآية، المشركون بالله الذين عبدوا مع الله غيره ( نَجَسٌ) أي خبثاء في عقائدهم وأعمالهم، وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع الله آلهة لا تنفع ولا تضر ولا تغني عنهم شيئًا؟ وأعمالهم ما بين محاربة الله وصد عن سبيل الله ونصر للباطل ورد للحق وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح، فعليكم أن تطهروا أشرف البيوت، وأطهرها عنهم، قال صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم المدينة"، وقوله وتعالى: (فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) وهو سنة تسع من الهجرة حين حج بالناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه عليًا أن يؤذن يوم الحج الأكبر ببراءة – فنادى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وهل المقصود بالنجاسة حسية أو معنوية. الراجح –والله أعلم- النجاسة المعنوية بالشرك، فإن كان التوحيد والإيمان طهارة، فالشرك نجاسة. 

وقوله سبحانه: (وَإِنْ خِفْتُمْ) أيها المسلمون ( عَيْلَةً) أي فقرا وحاجة من منع المشركين من قربان المسجد الحرام، بأن تنقطع الأسباب التي بينكم وبينهم من الأمور الدنيوية (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ) فليس الرزق مقصورا على باب واحد ومحل واحد، بل لا ينغلق باب إلا وفتح غيره أبواب كثيرة، فإن فضل الله واسع وجودة عظيم، خصوصا لمن ترك شيئا لوجه الله الكريم، فإن الله أكر الأكرمين، وقد أنجر الله وعده، فإن الله قد أغنى المسلمين من فضله، وبسط لهم من الأرزاق ما كانوا به من أكبر الأغنياء والملوك. وقوله سبحانه: (إِن شَاءَ) تعليق للإغناء بالمشيئة؛ لأن الغنى في الدنيا ليس من لوازم الإيمان، ولا يدل على محبة الله، فلهذا علقه الله بالمشيئة، فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب- ( إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي علمه واسع، يعلم من يليق به الغنى، ومن لا يليق به، ويضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها. 

  * سبب النزول:

قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآَخِرِ) ... الآية روى ابن المنذر عن الزهري قال: أنزلت في كفار قريش والعرب (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ) (البقرة: 193)، ونزلت في أهل الكتاب: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآَخِرِ) فكان أول من أعطى الجزية أهل نجران قبل وفاته صلى الله عليه وسلم. 

وروى ابن أبي شيبة وأبو الشيخ ابن حيان الأنصاري عن الحسن البصري قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذه الجزيرة من العرب على الإسلام، لم يقبل منهم غيره، وكان أفضل الجهاد بعده جهاد على هذه الآية في شأن أهل الكتاب (قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) .... الآية. 

  * المناسبة:

بعد أن ذكر الله تعالى حكم المشركين في إظهار البراءة من عهودهم في وجوب مقاتلتهم، وإبعادهم، عن المسجد الحرام أعقبه ببيان حكم أهل الكتاب، وهو أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية، وفي ذلك توطئة للكلام عن عزوة تبوك مع الروم من أهل الكتاب، والخروج إليها في زمن العسرة والقيظ حين طابت الثمار واشتد الحر، وما يتعلق بها من فضيحة المنافقين وتمحيص المؤمنين. 

*  المعنى الإجمالي:

هذا النداء الإلهي مُوَجَّهٌ إلى المؤمنين من عباده وهم أولياؤه لإيمانهم وتقواهم له سبحانه وتعالى يتضمن أمرين عظيمين:

الأول: حرمة دخول المشركين المسجد الحرام، والحرمُ الْمَكِّيُّ تابع للمسجد، فلا يحل لمشرك أو كافر من أهل الكتاب أو من غيرهم أن يدخل المسجد الحرام، ومكة كلها حرم، كما لا يحل للمشرك والكافر أن يدخل المسجد النبوي والمدينة كذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم المدينة". وكما يحرم دخول المشركين والكافرين الحرمين الشريفين، يجب على المؤمنين منعهم من ذلك وصدهم بأية حال. 

وهذا ما دل عليه قوله تعالى في الآية الأولى في هذا النداء إذ قال عزوجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) وهو عام تسعة من الهجرة حيث حج أبو بكر – رضي الله عنه – أميرا على الحج، ونزلت هذه الآية، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينادي في عرفات ومنى ومكة بهذا الأمر "أيها الناس ألا لا يطوفن بالبيت عريان، ولا يحجن بعد هذا العام مشرك"، إذ كان المشركون يطوفون بالبيت عراة إذا لم يجدوا ثوبا حلالا. وقوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) أي فقرا،لانقطاع المشركين عن الحج إذ كانوا يحملون البضائع التجارية ويبيعون ويشترون. ( فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ) فوعدهم بغناهم وسد حاجتهم التي خافوا أنها إذ امتنع المشركون من الحج حصلت لهم أي العيلة. وقوله: (إِن شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
 هذا استثناء منه سبحانه وتعالى حتى تبقى قلوب المؤمنين متعلقة به سبحانه وتعالى راجية خائفة غير مطمئنة، وكونه تعالى عليما حكيما يرشح المعنى المذكور ويرجحه؛ لأن ذا العلم والحكمة لا يضع شيئا إلا هو موضعه، فلا بد إذا لمن أراد رحمة الله وفضله تعالى أن يجتهد في أن يكون أهلا لذلك بالإيمان والطاعة الكاملة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. 

والثاني: أي الأمر الثاني الذي تضمنه النداء هو ما تحمله الآية الثانية وهو قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) إنه لما أمر تعالى المؤمنين بمنع المشركين من دخول المسجد الحرام وهذا يقتضي قتالهم حتى يسلموا، أمر المؤمنين أيضا أن يقاتلوا أهل الكتاب حتى يسلموا. أو يدخلوا في ذمة المسلمين ويعطوا الجزية. فقال تعالى لهم: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ .... ) إلخ وهم اليهود والنصارى، ولم يرض الله تعالى إيمانهم الفاسد، إذ اليهود مشبهة مجسمة يصفون الله تعالى بصفات ينزه عنها الله تبارك وتعالى، والنصارى يقولون ويعتقدون أن الله ثالث ثلاثة فهو كفر وليس والله بإيمان، فلذا أبطل الله إيمانهم فقال: (لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآَخِرِ) إذ لو آمنوا بالله واليوم الآخر، لعملوا على دخول الجنة والنجاة من النار بالإيمان الصحيح والعمل الصالح الذي شرعه الله في دينه الحق الإسلام. فلذا هم كافرون بالله واليوم الآخر، وقوله تعالى: (وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) إذ اليهود يدينون ببدعة اليهودية، والنصارى ببدعة النصرانية، والدين الحق الذي لا يقبلدين غيره الذي هو الإسلام كفروا به وحاربوه، فهم إذا يدينون بدين باطل لا ينجي من النار ولا يدخل الجنة دار الأبرار. وقوله تعالى: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) هذه غاية قتالهم، فهم يقاتلون حتى يخضعوا للمسلمين ويعطوا الجزية وبذلك يدخلون في ذمة المسلمين. ويؤمنون في أبدانهم وأموالهم وأعراضهم وأديانهم مع شروط تكتب عليهم جاء تفصيلها في كتاب عمر –رضي الله عنه- ذكره ابن كثير عند تفسير هذه الآية. 

*  ما يستفاد من الآيات:

1- نجاسة الكافر المعنوية لشركهم بالله سبحانه وخبث عقائدهم. 

2- منع دخول المشرك الحرم المكي كائنًا من كان، بخلاف باقي المساجد، فقد يؤذن للكفار لمصلحة أن يدخل بإذن المسلمين. 

3- وجوب قتال أهل الكتاب حتى يدخلوا في الإسلام، ليسعدوا وينجوا من عذاب الله، أو يدخلوا في ذمة المسلمين، فيحكمهم المسلمون بالعدل والحق. 

4- وجوب أخذ الجزية، وهي قدر معلوم من المال سنويًا على الرجال القادرين على الكسب والعمل، ولا تؤخذ من العجزة من الشيوخ والأطفال والنساء. 

5- لا يمنع المؤمن خوف الفقر أن يتمثل أمر ربه، إذ وعد سبحانه من أطاعه فيما أمر أو نهى أن يغنيه إذا أمتثل أمر ربه، وقد أطاعه المؤمنون في منع المشركين من الحج، فأغناهم بما فتح عليهم من الفتوحات، وما أفاض عليهم من أموال الجزية التي لا تعد. ألا فلنمتثل أمر الله ونترك ما حرم الله لنفوز ونسعد ولا نشقى. 

6- دلت الآية على أن دين الحق هو الإسلام، قال تعالى: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ) (آل عمران: 19). 

7- الإيمان غير صحيح لا يعتبر إيمانا منجيًا ولا مسعدًا. 

8- استباحة ما حرم الله من المطاعم والمشارب والمناكح كفر صريح.