نداءات الرحمن لأهل الإيمان _ النداء السادس والأربعون ( وجوب الاستجابة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم )

نداءات الرحمن لأهل الإيمان  _  النداء السادس والأربعون ( وجوب الاستجابة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم )
460 0

الوصف

النداء السادس والأربعون
وجوب الإستجابة لله وللرسول صلي الله عليه وسلم

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الأنفال: 24-25). 

  * موضوع الآية:

وجوب الاستجابة لله وللرسول في الأوامر والنواهي ووجوب اتقاء الفتن.  

*  معاني الكلمات:

 (اسْتَجِيبُوا): اسمعوا وأطيعوا. 

 (لِمَا يُحْيِيكُمْ): أي لما فيه حياتكم كالإيمان والعمل الصالح والجهاد. 

 (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ): فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإرادته،وقال ابن عباس: يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان. 

 (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ): أي إليه مصيركم ومرجعكم فيجازيكم بأعمالكم. 

 (وَاتَّقُوا فِتْنَةً): احذروا بلاءً ومحنة إن أصابتكم بإنكار موجبها من المنكر. 

 (لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً): بل تعمهم وغيرهم. 

 (شَدِيدُ الْعِقَابِ): شديد العذاب لمن خالفه وعصاه. 

  * المناسبة:

لما ذكر تعالى الكافرين وشبههم بالأنعام السارحة، لأنهم أعرضوا عن قبول دعوة الله – أمر المؤمنين هنا بالاستجابة لله والرسول وقبول دعوته، التي فيها حياة القلوب، وبها السعادة في الدنيا والآخرة. 

 * بين يدي الآية:

 الاستجابة لله ولرسوله  

إذا استجابت الأمة لدعوة الله عز وجل، كانت خير أمة أخرجت. والإنسان يقع بين حالين؛ إذ يأتيه نداء من الله عز وجل يدعوه ليصلي، أو ليصوم، أو ليحج بيت الله الحرام، أو ليؤدي زكاة ماله، أو ليكون صادقًا، وأمينًا؛ هذا الإنسان إما أن يستجيب، وإما أن لا يستجيب. والأمة بمجموعها، إذا استجابت لدعوة الله عز وجل كانت خير أمة أخرجت للناس. 

قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران: 110) وعلة هذه الخيرية (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران: 110). 

والحياة علامة الإيمان، والموت علامة الكفر والعصيان، قال تعالى: )فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ( (القصص: 50)، فإما أن تستجيب لله عز وجل، أو أنك تستجيب لأهوائك، ولا بد من أن تستجيب لله ولرسوله، لتكون حيًا، إذ إن علامة الإيمان الحياة، أو الحياة علامة الإيمان، والموت علامة الكفر والعصيان، قال تعالى: (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ) (22) ( (فاطر: 22)، فهم أحياء، وليسوا في القبور، لكنهم في قبر شهوتهم، وقبر حبهم للمال، وقبر مصلحتهم. 

ومن لم يعرف ربه فهو إنسان شارد عن الله، ولا قيمة له عند الله، قال تعالى: (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) (النحل: 21)، فهو إنسان ميت، ومحض كتلة من اللحم والدم، يبحث عن شهوته، ومصالحه. فالإنسان إذا دعاه الله عز وجل ليكون حيًا، فالمقصود هو حياة النفس، والقلب، التي تتحقق بالصلة بالله، ومعرفته والخضوع له، والقرب منه، حياة السعادة بطاعة الله، قال الشاعر:

لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ إِنَّمَا الْمَيْتُ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ

وقال سيدنا علي رضي الله عنه: يا بني: العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني: مات خُزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. 

وإن استجبنا لله كنّا خير أمة أخرجت للناس، وإن لم نستجب له فلا وزن لنا عنده. والله عز وجل يدعونا لحياة أبدية، لأن حياة الجسم تنتهي عند الموت؛ يدعونا لجنة عرضها السماوات والأرض في دار السلام ليرحمنا؛ يدعونا للسعادة. 

أما إن لم تستجب هذه الأمة فإنها تكون كأي أمة خلقها الله عز وجل. وقد جاء على هذه الأمة حين من الدهر أضحت فيه لا وزن لها عند الله. لأنها فرّطت في أمر الله. 

فعلى الرغم من أنها ذات تعداد سكاني هائل وتملك ثروات لا يعلمها إلا الله، ليست لها، فكلها تؤخذ منها، وتملك موقعًا استراتيجيًا ليس لها مثيل، وتملك مقومات وحدتها، لكن الدماء تسيل بين أبنائها. ثم إنها تملك مقومات الوحدة كالدين، واللغة، والعرق، والأهداف، والآلام، والآمال، ومع ذلك الصراع والقتال قائم بينها. فمن هان أمر الله عليه هان على الله. 

لقد دعاك الله عز وجل في قرآنه الكريم، والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة لما يحييك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال: 24). 

دعاك الله لحياة القلب ولتتصل به، ولتكون وليه؛ ليدافع عنك، ويرحمك، وينصرك، ويؤيدك، ويحفظك، ويسعدك. 

فهو الله المطلق العلم والقدرة، إن تكلمت فهو يسمعك، وإن تحركت فهو يراك، وإن أضمرت شيئًا فهو يعلمه. هو أقرب إليك من حبل الوريد، أي؛ أقرب إليك من الحياة، فأنت حي بأمر الله، وإليه الأمر قبل الموت وبعده. 

*  المعنى الإجمالي:

اعلم أيها القارئ الكريم أن الله تعالى ما نادى عباده المؤمنين به وبلقائه ليأمرهم إلا من أجل كمالهم وسعادتهم في الدارين، وذلك لأنهم عبيده وأولياؤه والسيد لا يحب لعبده إلا ما يعزه ويكرمه، والولي لا يحب لوليه إلا ما يسعده ويرفعه وها هو تعالى ينادي عباده وأولياءه قائلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ) والمراد بالرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، والاستجابة بمعنى الإجابة أي أجيبوا الله تعالى إذا دعاكم ورسوله كذلك، أي إذا دعاكم لاعتقاد أحبه ورضيه فاعتقدوه، وإذا دعاكم لقول طيب، والله لا يدعو إلا إلى طيب فقولوه، وإذا دعاكم لعمل صالح، والله لا يأمر إلا بالصالح فاعملوه ولا تقصروا فيه، وكذلك الحال مع رسوله صلى الله عليه وسلم إذا دعا إلى معتقد أو قول أو عمل تجب الإجابة الفورية إلا في حال العجز فلا يُكلف الله نفسا إلا وسعها. وكذا إذا دعاكم الله لترك معتقد فاسد، أو قول سيئ أو عمل غير صالح فأجيبوه واتركوا ما أمركم بتركه وكذا الشأن مع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلة هذا الأمر والاستجابة هي من أجل أن تكملوا في آدابكم وأخلاقكم وتسعدوا في حياتكم بالعز والطهر والصفاء والأمن والخير الكثير. وهذا معنى قوله تعالى: (إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) إذ لا يدعو الله ورسوله عباد الله المؤمنين المتقين إلا لما فيه خيرهم وسعادتهم وحياتهم الحياة الطيبة الطاهرة السعيدة في الدنيا والآخرة. 

ومن المعالجة الإلهية للعباد والتي هي رحمة من الله تعالى الابتلاء بالشدائد ثم الإلهام والتوفيق إلى التوية، قال تعالى: (تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) (التوبة: 118)، وتاب عليهم تعني: جاءت هذه الشدة قبل أن يتوبوا، أي ساق لهم من الشدائد ما حملهم بها على التوبة. فالله عزوجل يعلم من كل عبد ما الذي يلجئه إليه. هناك إنسان يلجئه المال إلى الله، وآخر بالصحة، وثالث بالمكانة الاجتماعية وهكذا، فالله يسوق لك بعض الشدائد، لتتوب، فإذا ساق لك شدة وتبت بعدها عرفت قيمة هذه المعالجة الإلهية. 

وقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) يحمل إشعارا خطيرا وتنبيها عظيما للمؤمنين وهو أنه إذا سنحت الفرصة للمؤمن لفعل خير من الخيرات، أو عمل صالح من الصالحات عليه أن يقتنصها بسرعة قبل فواتها، لا سيما إذا كانت دعوة من الله ورسوله إلى فعل كذا أو ترك كذا، وذلك لأن الله تعالى قادر على أن يحول بين المرء وما يشتهي، وبين المرء وقلبه، إذ هو قادر على أن يقلب القلب ويصرفه من حيث شاء من خير إلى غير، أو من غير إلى خير، ولنستمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلموهو يدعو ويقرر هذه الحقيقة: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" ويقول داعيا أيضا: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك". 

أما قوله تعالى في ختام الآية: (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) يعلم تعالى عباده المؤمنين بحقيقة ينبغي أن لا ينسوها وهي أنهم سيحشرون إليه تعالى يوم القيامة وسيجزيهم بطاعتهم وعصيانهم، لذا ينبغي أن لا يترددوا في الاستجابة لله تعالى ورسوله إذا دعاهم لما يحييهم، وهل يدعوهم ربهم وهو وليهم إلى غير ما يحييهم؟ لا والله، وهل يدعوهم رسولهم إلى غير ما يحييهم ويكملهم ويسعدهم؟ لا والله. 

أما قوله تعالى في الآية الثانية من هذا النداء: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) فهذا تحذير خطير للمؤمنين وفي كل زمان ومكان من أن يتركوا طاعة الله ورسوله بعدم الاستجابة لندائهما ودعوتهما إلى فعل الواجبات وترك المحرمات، لما يترتب على ذلك من انتشار الشر والفساد بصورة يحق بها العذاب وكأن هذا الأمر والنهي المأمور بهما في هذا النداء هما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو كذلك؛ لأن الفتنة لا تعم المجتمع كله صالحه وفاسده إلا إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقرر هذا قول ابن عباس – رضي الله عنه- في هذه الآية: أمر الله تعالى المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب. وفي صحيح مسلم ما يقرر هذه الحقيقة ويؤكدها فعن زينب أم المؤمنين – رضي الله عنها – سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث". وهذا أحمد يروي في مسنده – رحمه الله تعالى – فيقول: عن أم سلمة أم المؤمنين – رضي الله عنها – قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده، قالت: قلت: يا رسول الله أما فيهم أناس صالحون؟ قال: بلى، قالت: كيف يصنع أولئك؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان". وكيف لا ينزل البلاء ولا يصيب الأمة العذاب وقد تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحصى فأين الأندلس وأهلها، أين ممالك الهند الإسلامية وملوكها، أين مسلمو أوروبا الشرقية وديارهم تحولت إلى دور لهو وباطل.... وما ذلك إلا لظهور المنكر من خبث وشر وفساد وتركه حتى عم فنزل العذاب وعم. 

 * والخلاصة:

إن من سننه تعالى في البشر أن من يتبع هواه في أعماله تضعف إرادته في مقاومته، فلا تؤثر فيه المواعظ القولية ولا العبر المبصرة ولا المعقولة، فعلى المؤمن الطائع المجد أن لا يأمن مكر الله، فيغتر بطاعته ويعجب بنفسه، وعلى العاصي، المنصرف عن الطاعة الكف عن العصيان وعدم الاسترسال في اتباع هواه، حتى لا تحيط به خطاياه، وعلى كل فرد أن يحاسب نفسه على خواطره ويعاقبها على هفواته، لتظل على الصراط المستقيم. وقد كان صلى الله عليه وسلم يومئ إلى هذا في يمينه، فإذا حلف قال: لا ومقلب القلوب. 

 * ما يستفاد من الآيات:

1- وجوب الاستجابة لنداء الله ورسوله بفعل الأوامر وترك النواهي لما في ذلك من أثر كبير في حياة المسلم حياة طيبة. 

2- اعتنام فرضة الخير قبل فواتها متى سنحت للمؤمن تعين عليه اغتنامها. 

3- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اتقاءً للفتن العامة التي يهلك فيها العادل والظالم، إذا لم يستجيبوا لله وللرسول. 

4- مراقبة الله والحذر من موجبات غضبه. 

5- الحض على المراقبة والخوف من الله تعالى، والمبادرة إلى الاستجابة له جل وعلا، والخوف والرجاء كالجناحين للطائر. 

6- علينا أن نتذكر حشرنا إليه سبحانه، ومحاسبته إيانا على أعمالنا القلبية والبدنية، ومجازاته إيانا بالعذاب أو النعيم، فلا نألوا جهدا في انتهاز الفرصة، لنعمل صالح الأعمال. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وحياتك قبل موتك، وصحتك قبل مرضك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرًا مدقعًا أو غنًا مطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفندا، أو موتًا مجهزا أو الدجال فشر غائب منتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر".