نداءات الرحمن لأهل الإيمان_ النداء الرابع والأربعون(حرمة الفرار من صفوف القتال)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان_ النداء الرابع والأربعون(حرمة الفرار من صفوف القتال)
361 0

الوصف

النداء الرابع والأربعون 
حرمة الفرار من صفوف القتال

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (الأنفال: 15-16). 

  * موضوع الآية:

حرمة الفرار من صفوف القتال في سبيل الله ، وأنه من الكبائر الموجبة لغضب الله وعذابه.    

  *  معنى الكلمات: 

 (زَحْفًا): أي مجتمعين كأنهم لكثرتهم وبطئ سيرهم يزحفون على الأرض؛ لأن الكل كجسم واحد متصل. 

 (فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ): جمع دبر وهو الخلف، أي لا تهربوا منهزمين. 

 (وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ): أي يوم لقائهم. 

 (مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ): أي مائلا من جهة إلى أخرى، ليتمكن من ضب العدو وقتاله. 

 ( أوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ): أي منحازا إلى جماعة أخرى، ليقاتل العدو معها. 

 (فِئَةٍ): جماعة المسلمين. 

 (بَاءَ): أي رجع. 

 (بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ): لمعصيته بالفرار من الزحف. 

 (وَمَأْوَاهُ): الملجأ الذي يأوي إليه الإنسان أو غيره. 

 (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ): المرجع. 

*  مناسبة الآية لما قبلها:

الآيات مرتبطة بما قبلها في تعليم المؤمنين قواعد القتال بمناسبة قصة بدر، ففي الآية السابقة أمرهم بضرب الهامات والرءوس وتقطيع الأيدي والأرجل، وهنا ذكر الله حكما عاما أيضا في الحروب، وهو تحريم الفرار من الزحف في مواجهة الأعداء إلا لمصلحة حربية مثل التحرف للقتال أي إظهار الانهزام والفرار وخدعةً ثم الكر، والتحيز إلى فئة: أي الانضام إليها لمقاتلة العدو معها. 

*  المعنى الإجمالي:

يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الإيمانية والقوة في أمره والسعي في جلب الأسباب المقوية للقلوب والأبدان، ونهاهم عن الفرار إذا التقى الزحفان، فناداهم الله تبارك وتعالى قائلا لهم: (إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا) أي زاحفين إليهم لتقاتلوهم في سبيل الله (فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ) أي لا تنهزموا أمامهم فتتولوا هاربين وتعطوهم ظهوركم وهذا عيب كبير، ومعرة لا ينبغي للمؤمن وهو وَلِيُّ الله (عز وجل) أن يتصف بها، والنهي هنا للتحريم لِيُرَبِّيَ الله أولياءه على الإقدام والشجاعة حتى لا يضعفوا عن قتال المشركين الكافرين ولما كان الفرار من العدو له آثار سيئة لا سيما عند المواجهة والزحف ومن تلك الآثار السيئة انتصار العدو الكافر على المؤمنين، ومنها: إصابة المؤمنين المقاتلين بالجروح والقتل، ومنها: استيلاء العدو على معدات المسلمين من سلاح وغيره، ومنها: وقف الدعوة الإسلامية وعدم انتشارها وانتصارها؛ لهذه ولغيره كان التولي يوم الزحف كبيرة من كبائر الذنوب، ويكفي في كونها كبيرة قوله تعالى في الآية الكريمة: (فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) وفي الحديث الصحيح أن التولي يوم الزحف من الموبقات أي المهلكات ففي الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله وما هي؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" فيكفي في كون التولي يوم الزحف كبيرة ذكره مع أعظم الكبائر وهي الشرك والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات. وقوله تعالى في الآية الثانية: (وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) أي ومن يعطي دبره العدو فارًّا هاربا يوم الزحف أي ساعة المواجهة وزحف الطائفتين على بعضها طائفة العدو الكافر وطائفة المجاهدين المؤمنين، وقبل ذكر الجزاء أي جزاء الشرط وهو قوله تعالى: (وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) - قال تعالى مستثنيا حالتين إذا فر منهما المؤمن المجاهد لا إثم عليه فيهما ولا حرج؛ لأنه تَحَرُّفٌ لنصرة الإسلام وأهله لا فرارا من الموت، وهل الموت يدفعه الفرا!؟ 

فالحالة الأولى: أن يفر المؤمن بين يدي مُقَاتِلهِ الكافرِ مكيدةً له حتى إذا جرى وراءه عدوه وبعد عن صفوف إخوانه كَرّ عليه المؤمن وقتله، هذه صورة من صورتين يفر فيهما المجاهد، ولا إثم عليه فيهما، والصورة الثانية أن يميل جانبا عن صف المجاهدين ليرى غرة من العدو فيصيبها، هذا ما دل عليه قوله تعالى: (إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ)

والحالة الثانية: أن يرى ضغطا شديدا من العدو، فيرى أنه من المصلحة الجهادية أن ينحاز إلى جماعة من المؤمنين تقاتل فيقاتل معها ليقويها ويقوى هو بها، هذه صورة من صورتين جاز فيهما للمجاهد أن ينحاز من وجه العدو لينضم إلى إخوانه ليقويهم ويقوى بهم، والصورة الثانية أن يكون الانحياز إلى قائد المعركة وإمام المسلمين ليتقوى به ويقويه فهاتان الصورتان دل عليهما قوله تعالى: (أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ) أما إذا لم يكن قراره للحالتين الأولى وهي التحرف للقتال، والثانية الانحياز إلى فئة مؤمنة أو إلى القيادة فإن صاحب الفرار قد ارتكب كبيرة إذا لم يتب منها دخل النار والعياذ باللهتعالى، ذلك لقوله تعالى. في جواب الشرط (فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ) أي رجع من المعركة مغضوبا عليه من الله (عز وجل) ومأواه الأخير جهنم وبئس المصير جهنم يصار إليها. إن بعض السلف قالوا هذا الفرار المتوعد عليه كان خاصا بغزوة بدر، وخالف الجمهور وقالوا الآية عامة وإن نزلت في غزوة بدر، والدليل على عمومها حديث البخاري الذي تقدم وهو الحق والصواب، والله يتوب على من تاب. فمن فر يوما استوجب العذاب لو مات، أما من تاب فإنه يتوب الله عليه ويغفر له كبيرته بتوبته. 

 * ما يستفاد من الآيات:

1- حرمة الفرار من العدو الكافر عند اللقاء، لِمَا توعد الله تعالى عليه من الغضب والعذاب، ولعد الرسول صلى الله عليه وسلم له من الموبقات السبع في حديث مسلم "والتولي يوم الزحف" ولما في الفرار من الزحف من آثار سيئة على المسلمين ومنها:

1- انتصار العدو الكافر على المؤمنين. 

2- إصابة المؤمنين المقاتلين بالجرح والقتل. 

3- استيلاء العدو على معدات المسلمين من سلاح وغيره. 

4- وقف الدعوة الإسلامية وعدم انتشارها وانتصارها. 

ولهذا وغيره كان التولي يوم الزحف كبيرة من كبائر الذنوب، ما ذكر الله سبحانه، وكما ذكر الله المصطفى صلى الله عليه وسلم.